مع أن غالبية الدول العربية المجتمعة في قمة جدة للأمن والتنمية منتصف يوليو الماضي تُقيم علاقات مع إسرائيل أو في طريقها لذلك وبينها وبين إسرائيل وأمريكا اتفاقات أمنية وعسكرية إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن يرسل رسالتَي شكر للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان على الموقف الذي تبنته قمة جدة للأمن والتنمية تجاه القضية الفلسطينية وخصوصا استمرار الالتزام بمبادرة السلام العربية، بالرغم من شكلية التزام قمة جدة بالمبادرة العربية لأن الدول المطبعة خرقت بتطبيعها جوهر هذه المبادرة التي تنص على أن الاعتراف بإسرائيل يكون بعد الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية،
وبعد القمة أعلنت الرئاسة الفلسطينية عن زيارة قريبة للرئيس أبو مازن لدولة الإمارات العربية وهي الدولة التي قادت قاطرة التطبيع في نسخته الجديدة مما أدى لتوتير مؤقت في العلاقة بين الإمارات والسلطة أدى لاستدعاء السفير الفلسطيني في الإمارات يوم 13 أغسطس 2020 ثم السفير في البحرين بعد أيام، أيضا نُذكر بالزيارة الرسمية التي قام بها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس للمملكة المغربية بعد أيام على التطبيع بين المغرب وإسرائيل، حيث أشاد إسماعيل هنية بالمغرب وملكها شاكرا جلالة الملك على دعوته وعلى ما تقدمه المغرب للشعب الفلسطيني، أيضا تناقلت وكالات أنباء ومنها وكالة الأنباء المغربية الرسمية منتصف يوليو الماضي أن "الوساطة التي قامت بها المملكة المغربية والولايات المتحدة الأميركية تمكنت من التوصل إلى اتفاق من أجل الفتح الدائم لجسر الملك حسين، الذي يشكل المنفذ الوحيد للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة، على العالم" . مع أنه لم يتم تأكيد الخبر من أي جهة رسمية مغربية كما أن مشكلة المعبر مع الأردن ما زالت على حالها.
ما نود الوصول إليه أنه بالرغم من التداعيات الخطيرة للتطبيع على الشعب الفلسطيني وما يؤدي له من تغيير في طبيعة الصراع في الشرق الأوسط وأطرافه وأولوياته بحيث لم تعد الفضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، وبالرغم من محاولة إسرائيل توظيف التطبيع العربي معها لعزل الشعب الفلسطيني عن عمقه العربي وتعزيز قوة إسرائيل في المنطقة بل وصيرورتها مكونا رئيسا في المنطقة وترك الفلسطينيين وحيدين في المواجهة، وحيث إن الفلسطينيين غير قادرين على وقف التطبيع أو مواجهة الدول المطبعة من خلال قطع العلاقات معها أو فرض عقوبات عليها أو حتى تحريض الشعوب على الأنظمة، وما دام الفلسطينيون شعبا وقيادة بحاجة للأمة العربية، وما دامت غالبية الشعوب العربية مؤيدة لعدالة القضية الفلسطينية... لكل ذلك يحتاج الفلسطينيون للتفكير بمقاربة جديدة لمفهوم البعد القومي للقضية الفلسطينية ولمسألة التطبيع، والتفكير بنهج سياسي جديد للتعامل مع واقع عربي ودولي لم تأت رياحه الآن بما تشتهي السفن الفلسطينية وهو واقع نأمل أن يكون عابرا وإن أحسن الفلسطينيون التعامل مع مستجدات المرحلة فسيحافظون على حيوية وحضور قضيتهم عربيا ودوليا. كما سيواصلون تواصلهم مع الشعوب العربية بدلا من تركها عرضة للدعاية الصهيونية المغرضة.
نعم للتطبيع تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية والمواقف العربية الرسمية والشعبية لم تعد كما كانت، ولكن بسبب العلاقة الجدلية والتاريخية بين ما يجري في فلسطين وما يجري في العالم العربي يجب الاعتراف بالدور الفلسطيني في التأثير سلبا على البعد القومي والتحول في المواقف العربية الرسمية والشعبية، فالبعد القومي كان فاعلا والتطبيع كان خيانة عندما كان الشعب الفلسطيني موحدا في مقاومته للاحتلال وكانت الأنظمة لا تجرؤ على التطبيع إما خوفا من شعوبها ومن المقاومة الفلسطينية أو احتراما لدماء الشهداء، أما مع التحول في الموقف الرسمي الفلسطيني وتوقيع اتفاقات تسوية سياسية مع إسرائيل ثم الانقسام والاقتتال الداخلي وتزايد اعتماد الأحزاب الفلسطينية على المال السياسي... كل ذلك أثر سببا على مواقف الأنظمة وحتى الشعوب العربية، فكيف يطلب الفلسطينيون من الأنظمة العربية أن يتوافقوا ويلتزموا بموقف واحد وبمبادرة السلام العربية لمواجهة إسرائيل بينما الفلسطينيون أنفسهم غير متفقين ولم يلتزموا باتفاقات المصالحة التي وقعوها؟.
I