في تطور لافت لعلاقة الاحتلال الإسرائيلي بغزة بدأت إسرائيل عملية عسكرية هجومية مباغته على غزة مستهدفة قيادات من حركة الجهاد الإسلامي من تصفها بانها حركة متمردة لا تنصاع لا لتفاهمات او اتفاقات تهدئة او تقبل باي رشاوي احتلالية ,وتصفها بانها حركة لا تقبل ما تقبله حركة حماس وتريد ان تستمر في تهديد دولة الكيان ومواطنيها ليس في الضفة الغربية وانما المستوطنين على حواف غزة . بدأت دولة الاحتلال عمليتها العسكرية في وقت تتواصل فيه جهود الوساطة المصرية والقطرية وحتى الأمم المتحدة لمحاولة نزع عوامل التوتر التي نتجت عن اعتقال الاحتلال الإسرائيلي الشيخ (بسام السعدي )بعملية اقتحام جبانه لمدينة ومخيم جنين والتي أدت الى إصابة العديد من المواطنين واستشهاد (ضرار الكفريني ) وكأنها تقول ان هذه الوساطة لن تحقق الأهداف الخاصة بإسرائيل وهذا ما اعلنه الناطق باسم جيش الاحتلال بان الوساطة المصرية بات ميؤوس منها ولن تحقق نتائج عملية على الأرض , لذا بادرت دولة الاحتلال بالهجوم العسكري المكثف على حركة الجهاد الإسلامي لتحدث صدمة لدى الحركة وتشل قدرتها على أي رد سواء في الضفة او غزة وبالتالي تعتبرها عملية احترازية لابد منها . الا ان العملية العسكرية في عمقها الحالي بدأت تتكشف ملامحها لتحقق هدفين , الأول فصل قطاع غزة سياسيا وجغرافيا عن الأرض الفلسطينية ولجم حركة الجهاد الإسلامي التي تقف وراء توحيد الجبهة الفلسطينية في الضفة وغزة وتفشل مخطط دولة الاحتلال الخاص بغزة.

عندما ادركت دولة الاحتلال ان حركة الجهاد الإسلامي تسعي لتحقيق هذه الأهداف اتخذ (بيني غانتس )و(يائير لابيد) القرار بعد توصيات الكابينت المصغر بتنفيذ عملية عسكرية ذات اهداف عملياتية وسياسية استراتيجية بعد ان نجحت دولة الاحتلال على مدار أربعة أيام بإيهام حركة الجهاد الإسلامي بانها تتخذ إجراءات احترازية في الجنوب مثل وقف للقطارات واغلاق الطرق وشاطئ (زكيم )تحسبا من هجمات مضادة لحركة الجهاد الإسلامي انتقاما لعملية اعتقال الشيخ السعدي الذي تعتبره الجهاد الإسلامي رجلها الأول في الضفة الغربية , ونجحت دولة الاحتلال بالفعل في الإيحاء للحركة بانها تخشي هذه الهجمات ما ادى الى استرخاء مقاتلي الحركة الى الحد الذي استطاعت فيه دولة الاحتلال اصطياد قيادات الجناح العسكري للحركة في غزة . وكانت دولة الاحتلال قد اتهمت الشيخ (بسام السعدي) بانه يعمل بتوجيهات من قيادة الجهاد الإسلامي في غزة والخارج وتتهمه بانه من يقف وراء تشكل خلاليا المقاومة المسلحة في كل من جنين ونابلس وطوباس والخليل ويعمل على تزويدها بالمال والسلاح لشن هجمات متوالية على نقاط جيش الاحتلال بالضفة الغربية وتتصدي هذه الكتائب لأية عملية اقتحام إسرائيلية لمدن الضفة . لعل هدف فصل غزة رسميا عن الضفة الغربية وتحييد فصائل المقاومة في غزة عن أي عملية اسناد للمقاومين بالضفة لغربية بات الهدف العملياتي والسياسي الكبير لدى منظومة دولة الاحتلال السياسية وفي زات الوقت تهدف للضغط على حركة الجهاد الإسلامي بالانصياع لقواعد اللعبة الجديدة في غزة , تحسينات , تصاريح فتح معابر ادخال أموال مقابل ان تبقي غزة في حالها ولا تتدخل فيما يجري بالضفة الغربية وتقدم على أي عملية اسناد دفاعي او لوجستي لاي عمليات لجيش الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف المدن والمخيمات و رجال المقاومة بالتصفية و الاعتقال.

الهدف الثاني وهو هدف سياسي إسرائيلي داخلي لعملية الهجوم على غزة دعاية انتخابية واسعة لكل من (يائير لابيد) رئيس حزب هناك مستقبل ووزير الجيش (بيني غانتس) رئيس حزب ازرق ابيض باعتبارهما من حققا الهدوء واعادوه بالقوة لمنطقة الجنوب وهما من استطاعا ان يعيدا رسم الخارطة الجغرافية للمناطق الفلسطينية وتنفيذ المخطط الإسرائيلي في تذويب مناطق الضفة الغربية وانهاء مسالة القدس وتجسيد وجود كيان سياسي منفصل للفلسطينيين في غزة ,واعتقد ان وصول غانتس ولابيد لتحقيق اهدافهم هذه امر شبه مستحيل وعلى ما يبدو انهما اختارا الوقت غير المناسب والأسلوب الصعب في هذا المضمار بان يتحقق مشروع الفصل السياسي للفلسطينيين بالقوة لصالح كيان سياسي في غزة ومجرد كانتونات بالضفة الغربية تتولي دولة الاحتلال الوصاية الأمنية والاقتصادية عليها . لم يدرك هذا الثنائي الذي اخذ على عاتقه تحقيق اهداف أكبر من قدراتهم السياسية والعسكرية مجتمعة صعوبة المسالة وتعقيداتها ولم يدركوا ان ما يسعيا اليه قد يقلب السحر على الساحر ويتوحد الفلسطينيون بالضفة وغزة لان الدم الفلسطيني واحد ويصعب على أي قوة مهما كانت ان تلعب على وتر الخلافات وتبني خططها الخبيثة على هذا الأساس.

تدرك مؤسسة (لابيد غانتس) السياسية والعسكرية ان العملية العسكرية الحالية ضد غزة لن تكون قصيرة المدى لان الأهداف البعيد التي وضعوها لخطة الهجوم تحتاج الى شهور من القتال وليس أيام تتكبد فيها دولة الاحتلال الخسائر الاقتصادية الكبيرة هذا بالإضافة للخسائر المادية والبشرية ودولة الاحتلال المقبلة على جولة انتخابات خامسة غير مستعدة لذلك , لذا فان اهداف العملية العسكرية الاستراتيجية هي اهداف مستحيلة التحقق حتى على المدى البعيد ,اما مايمكن لهذا الثنائي فعله هو اختصار اهداف عمليتهم العسكرية واستعادة الهدوء بالحد الأدنى ما يعيد الهدوء والامن والاستقرار لسكان الجنوب الصهيوني بمعادلة الهدوء مقابل الهدوء والذي قد يتحقق كما كل مرة بوقف دولة الاحتلال العملية العسكرية الحالية من طرف واحد تحت زعم انها حققت الأهداف المطلوبة ,وبالتالي تلزم المقاومة الفلسطينية بالهدوء وتفاهمات غير معلنة , أي ان الميدان هو الذي حقق هذه المعادلة التي اعتادت دولة الاحتلال على تحقيقها في كل جولة تصعيد ومن خلال هذه المعادلة يتاح للوسطاء البناء على عملية تهدئة حقيقية ببعض الضمانات الشفهية وغير الرسمية.