"بدنا نعيش"، شعار إن رفعه واحد او عشرة او أي عدد تختارون فهو الاصدق والابلغ في النطق باسم الحالة الغزية وناسها وحياتهم التي غابت عنها الامال وراء الالام، حتى صار ما تتمتع به افقر الشعوب امنية غزية صعبة المنال.
منذ زمن بعيد وغزة وناسها يجسدون هرما يقف على رأسه، ومجمع استثمار رأس ماله موت وراء موت ودمار بعد دمار، وكل ذلك تغطيه نظرية بائسة تقول قدر غزة ان تحارب بالنيابة عن شعوب ودول، وكأن رفع الظلم عن المظلومين في كل مكان هو مهمة احتكارية لغزة، فهي الطليعة الفدائية واحيانا يقال الانتحارية للمنافحة عن "الممانعة" وتزويد كل استثمار بما يحتاج من دم كي تبقى الشعارات على قيد الحياة دون مسوغ منطقي لتحقيق ولو ابسطها، وها هو الزمن الممتد يبرهن على ذلك.
لم يحن الوقت منذ آخر مجزرة أطفال حدثت في آخر مقتلة، بل حان منذ اول مجزرة ان يرفع الصوت عاليا لتتوقف غزة عن ان تكون حقل تجارب للاجندات والشعارات، او سوقا حرة مفتوحة لكل راغب في استثمار يخص بلده او حزبه او نظام حكمه.
لتتوقف غزة ولنساعدها على ذلك عن ان تقاتل الكون كله بينما المستثمرون لا يقدمون لها سوى ما يبقيها على قيد الموت بين جولة وأخرى، هذه الحالة التي انتجت صوتا يرتفع بالتدريج ويتسع مداه ويقول "بدنا نعيش" تستدي الضمائر الحية أولا في الوطن الفلسطيني وليس أخيرا في العالمين العربي والإسلامي بل وفي كل مكان يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، تستدعي ان يرفع شعار موازٍ يقول غزة لازم تعيش ليس بالخبز الذي يحيى به الانسان، وليس بالماء الممزوج بالملح والطين حتى لو استبدل بانقى ماء على وجه الأرض، وليس ببقاء حاجز يجعل من الجزء الاخر من قلب وجسم الوطن شيئا مجهولا لدى أجيال ممنوع عنها مجرد رؤيته الا في الخيال والتخيل، وليس بفتح واغلاق البحر امام لقمة عيش الصيادين كلما عنّ على بال قائد الحصار والدمار ان يفتح وان يغلق، وليس بعشرات التصاريح لزيارة القيامة والمهد في المناسبات والصلاة في الأقصى في الأعياد، حتى لو تمت مضاعفة عدد التصاريح مئات المرات وليس بتعثر سفر الطلبة للالتحاق بجامعاتهم في المغادرة والعودة، كل هذا وغيره الكثير تعيشه غزة التي انطلقت منها صرخة "بدنا نعيش" ولو حلت جميعا وقيل للغزيين ها نحن نفتح امامكم البحر عشر كيلو مترات إضافية ونسمح بمرور صهاريج الوقود لرفع انتاج التيار الكهربائي ليعطي اربع وعشرين ساعة في اليوم، ونسمح لكرم أبو سالم بالعمل ليل نهار لتزويد سوق غزة بالبضائع ونسمح لايرز بتمرير مائة الف عامل إضافي ليُدخلوا الى غزة خمسين او مائة مليون شيكل في اليوم، كل ذلك يرتاح له الغزيون حقا، بل انهم لا يكفون عن المطالبة به الا ان ما يعتمل في اعماقهم هو ذلك الشعور بفقدان الحرية واهدار الكرامة، اوليس كارثيا ان تكون كل جوانب حياتهم مرتبطة بتصريح يعطى ويحجب حسب رغبة المحاصرين والمحتلين.
غزة "بدها تعيش ولازم تعيش"، ولكن ليس وفق شروط واجندات الاخرين، وانما بالشرط الذي يتوفر لكل شعوب الكون وهو الحرية والاستقلال والكرامة ضمن دولة واحدة لشعب واحد، غزة بدها تعيش ولازم تعيش، هذا مطلب حق وليس شعار بل انه شرط حياة نقيض لشروط استثمار الاجندات، غزة بدها تعيش ولازم تعيش فقد قدمت اكثر بكثير مما تعين عليها ان تقدم منذ بداية قضية شعبها حيث لا قضية منفصلة لها، الم يقل ديننا ان الله لا يكلف نفسا الا وسعها.
لم تتأخر غزة برضى وطيب خاطر عن تقديم ما عليها من ضريبة الحرية والاستقلال، فمن قلبها مدنا وقرى ومخيمات انطلقت الثورات الوطنية، كانت المكان الامن لكل احرار الوطن من كل مدينة وقرية ومخيم فلسطيني، الم تكن غزة حاضنة الوئام بين الاممي الوطني معين بسيسو والإسلامي الوطني فتحي البلعاوي، الم تكن الحاضنة التي انتجت ماجد أبو شرار ومخلص عمرو، حين لم يكن احد يسأل عن هوية الاخر، وأين ولد، بل كان السؤال اين موقعك من النضال الوطني ومن تظاهرات رفض التوطين.
فرض على غزة ان تقدم اكثر من غيرها وآن الأوان ان يقدم لها غيرها ما تستحق، ذلك بتطوير النداء العظيم من غزة بدها تعيش الى غزة لازم تعيش، وتوفير كل الأسباب الكريمة كي يتحقق.
وحسب غزة مجدا انها لم ولن ترفع راية بيضاء حالها حال احرار الوطن الفلسطيني في كل مدينة وقرية ومخيم، غزة بدها تعيش ولازم تعيش وشرط الحياة كرامة وحرية واستقلال، وشرط كهذا لا فرص له من التحقق الا اذا كان الوطن كله والأمة كلها تؤدي ما يترتب عليها في المسيرة نحو الحرية والاستقلال والكرامة.