كتب رئيس التحرير: وكأن الوضع الفلسطيني الداخلي يحتمل مزيداً من التعقيد والتصعيد، ليخرج وزير المالية بتصريحاته الأخيرة عن المعلمين وحقوقهم، ضارباً بعرض الحائط ما وقعته الحكومة من اتفاقيات مع نقابتهم، وضارباً بعرض الحائط كذلك مستقبل طلبة المدارس الذين سيجدون أنفسهم في فصول دراسية دون معلمين!!
من الذي يقرر: الحكومة أم وزارة المالية؟ ومن يدير الآخر؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات وقبل بدء العام الدراسي يخرج وزير المالية بهذه التصريحات؟ مع العلم أن سريانها يبدأ وفق الاتفاقيات مطلع العام المقبل!
وزير المالية خلط أوراق الحكومة والنقابات وأهالي الطلبة، في خطوة لم تراعي خصوصية الوضع الحالي.
ليس بمقدور وزارة المالية إدارة الوضع الحالي؟ أين كانت عندما وقعت الحكومة الاتفاقيات؟ لماذا لم يخرج وزير المالية ليفجر قنبلته هذه قبل الاتفاق أو حتى بعده بأيام، لماذا انتظر إلى هذا الوقت بالذات حتى يلقي ما ألقاه؟ هل يريد فعلاً حشر حكومة اشتية في الزاوية والاقتصاص من رئيس الوزراء بسبب الخلاف الذي نشب معه على إثر توقيع الاتفاقيات مع النقابات؟ وماذا سيكون رد رئيس الحكومة الذي خرج بمظهر غير المسيطر على وزارة المالية، وغير العارف بوضع خزينة الدولة؟!
ستجر تصريحات وزير المالية الشارع الفلسطيني إلى مربع الإضرابات النقابية، وستجد الحكومة نفسها غير قادرة على إقناع النقابات بصدقها، فالاتفاقيات الموقعة تتحكم بتنفيذها وزارة المالية، ووزيرها لا يريد التنفيذ!
نقابات كثيرة حذرت من تصريحات وزير المالية وتداعياتها، إضافة إلى الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان التي تدخلت لحلحلة بعض الإضرابات سابقا، وهو ما يشير إلى أن أزمة كبيرة تلوح في الأفق.
وزير المالية يتحرك وكأنه غريب عن مجلس الوزراء بل غالبا يعارض قراراته المالية بعد اتخاذها بالاغلبية ولا يقدم حلولاً عملية لإنقاذ الواقع الصعب الذي تمر به البلاد، رغم بقائه في منصبه لأكثر من عشر سنوات ونحن ننتقل من أزمة إلى أخرى، ولا يصمت، بل يجاهر بأنه لن ينفذ اتفاقات الحكومة مع النقابات، ويفرض ضرائب ورسوماً ولا يحترم حتى الشركاء بإطلاعهم على الواقع الصعب أو يمنحهم أملاً بمستقبل أفضل، أحرج وزير المالية الهيئة المستقلة لحقوق الانسان والتي توسطت بإنهاء إضراب المعلمين وكانت شاهداً على بنوده، حيث أصدرت بياناً تستغرب فيه هذه التصريحات، لأنها تخالف القوانين وما تم الاتفاق عليه.
لاحظنا في فترة الهجوم الكبير على الحكومة أنه زاد الضغط عليها بتقديم استقالته دون مبررات أو معلومات ثم تراجع بهدوء عند فشل الضغوطات، حتى آليات الدفع غير مفهومة وتساهم في خلق أزمات داخلية أخرى، سواء مع النقابات أو المواطنين، أو حتى حقوق الشركات والعطاءات المختلفة، وهناك آلاف الشركات أغلقت أبوابها بسبب تأخر استلام مستحقاتها لمدة وصلت أحياناً أكثر من خمس سنوات.
الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة بمثابة قوانين بل بقوة الدستور بحيث إن التلاعب بها في أية مرة سيجعلها وسيلة مرفوضة للنقابات، وأن انتهاء أية فعاليات مستقبلية من إضرابات واحتجاجات للنقابات لا يتم إنهاؤه إلا بتنفيذ المطالب، لذلك على الحكومة أن تُلزِمَ وزيرها بعدم التلاعب باستقرار الوطن في ظل التعقيدات الكبيرة والضغوطات العامة، ومن غير المعقول أن يكون وزير المالية شرارة انفجارها.