صدى نيوز - أصدر الائتلاف الفلسطيني للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "عدالة"، ورقة حول توجهات الإصلاح المالي للسلطة الفلسطينية تزامناً مع إعلان وزارة المالية في بداية الشهر الحالي عن خطة إصلاح مالي تشمل تحسين جباية الإيرادات وتخفيض النفقات، محددةً ثلاثة أمور لتحقيق ذلك: خفض فاتورة الرواتب لتصل إلى 70% من الإيرادات فقط، من خلال التقاعد المبكر ووقف صرف العلاوات غير المستحقة، بالإضافة إلى العمل على إصلاح القطاع الصحي، ومعالجة ملف صافي الإقراض. أما على صعيد الجباية فسيكون ذلك من خلال العمل على وقف التسرب المالي مع "إسرائيل"، وإصلاح النظام الضريبي من جانبيه الإداري والقانوني.
وتضمنت الورقة موقفاً من توجهات الحكومة لإصلاح الوضع المالي من حيث مشروعية خطوات الإصلاح وأهميتها وإمكانية تنفيذها، بالأخص في ظل عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بالنفقات الرئيسية وعلى رأسها الرواتب والأجور، والتأخر في دفع المستحقات للعديد من الشركات، حيث وصل الدين العام والالتزامات على الحكومة إلى ما يزيد عن 9 مليار شيكل، بالإضافة إلى تصاعد الاحتجاجات النقابية والفئوية للمطالبة بحقوقها من الحكومة الفلسطينية.
وأشارت الورقة إلى ضرورة وجود شفافية كافية في الموازنة العامة توضح أوجه الانفاق فيها، ليتم بناء عليه تحديد جوانب التقشف، حيث يوجد العديد من مراكز المسؤولية الواردة في الموازنة غير واضحة التعريف من حيث أوجه الانفاق ضمنها، مثل: "النفقات العامة" ضمن قطاع الحكم، ومركز المسؤولية "منظمة غير حكومية" ضمن نفس القطاع. هذا بالإضافة إلى أن الموازنة لا توضح فيما إذا كانت الرواتب ضمن بنود رواتب القطاع المدني والأجهزة الأمنية تصرف لمن هم على رأس عملهم. كما أشارت الورقة أن إجمالي النفقات لمركز المسؤولية "السفارات" قد بلغ نحو 190.4 مليون شيكل وهو أقل بقليل مثلاً من الإنفاق على "مكتب الرئيس" الذي بلغ 193.2 مليون شيكل في العام، وهذا بحاجة إلى توضيح.
وبالنسبة لتفاصيل خطة الإصلاح، ووفق البنود الإصلاحية التي تطرقت لها خطة الوزارة، فقد ناقشت الورقة هذه البنود وفق المعطيات الحالية ومدى امكانيته تنفيذه على أرض الواقع،
- خفض الرواتب بنسبة 30%، أشارت الورقة أن هذا التوجه يظهر كتوجه منطقي في ظل الأزمة المالية واستحواذ الرواتب على الحصة الأكبر من الأزمة والموازنة، إلا أن هناك غياب لخطة واضحة لماهية تنفيذ هذا التخفيض، وفي ضوء قراءة المعطيات كما جاء في الورقة فإنه من الصعب الوصل إلى نسبة تخفيض 30%، ومن أبرز هذه المعطيات تخلف وزارة المالية عن الالتزام بتوفير كامل الاشتراكات لهيئة التقاعد، والذي يؤشر إلى صعوبة استمرارية الهيئة في العمل.
- معالجة ملف صافي الإقراض الذي يشكل كبند عبئاً كبيراً على الموازنة، حيث بلغ في العام 2021 373 مليون دولار، ويرتبط هذا البند بشكل أساسي بتخلف الهيئات المحلية وشركات توزيع الكهرباء ومصالح المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة عن دفع الفواتير. وترتبط مشكلة هذا البند بربط اقتطاعه من إيرادات المقاصة، وبالتالي زيادة إمكانية تلاعب الاحتلال بهذا البند، كما أن ارتفاع نسبة اقتطاعات قطاع غزة التي تصل 45% من قيمة بند صافي الإقراض، يزيد من صعوبة تخفيضه نظراً للوضع السياسي والاقتصادي للقطاع.
- وبالنسبة لبند التحويلات الطبية، فقد أشارت الورقة إلى أن هناك تضخم في التحويلات الطبية للخارج، حيث تضاعفت 6 مرات خلال ال 16 عاماً الماضية، وستتضاعف لثلاثة أمثال خلال ال 6 سنوات القادمة، لتصل إلى حوالي 308 آلاف تحويلة، وأن النظام الصحي الفلسطيني غير قادر على استيعاب هذا الارتفاع وغير قادر على التعامل معه.
- كما ان أوردت الورقة بأن هناك معيقات على مستوى اصلاح بنود أخرى كالنثريات، فعلى الرغم من الإصلاحات العديدة على مستوى قانون الشراء العام والالتزام بالمعايير الدولية، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في قدرة الحكومة على الإيفاء بالالتزامات المترتبة عليها تجاه الموردين والمقاولين. كما تطرقت الورقة إلى إصلاح قضية العقود الوهمية واستحداث بعض المؤسسات والهيئات مثل المحكمة الدستورية، التي بلغ إجمالي نفقاتها في العام 2021 نحو 6 ملايين شيكل، وجامعة الاستقلال وبعض الشركات الحكومية (بنك الاستقلال للتنمية والاستثمار، وشركة مياه فلسطين، وشركة غاز فلسطين).
ومن هنا قدمت الورقة مجموعة من التوصيات للتعامل مع ملف الإصلاح المالي:
1. فيما يخص خفض نسبة الرواتب إلى 30% أن تكون مصحوبة بخطة قابلة للتطبيق لمعالجة الديون المتراكمة لهيئة التقاعد، والالتزام مستقبلاً بتوريد كافة الاشتراكات والالتزامات المترتبة على وزارة المالية، والمؤسسات والجهات الأخرى.
2. فيما يتعلق بصافي الإقراض أن يتم وضع خطة عملية بجدول زمني لتخفيضه إلى الحد الذي يخدم الفئات الفقيرة والمحتاجة فقط. وأهمية تبني الأدوات اللازمة لإجبار إسرائيل على احترام اتفاقياتها وعدم الخصم من المقاصة إلا وفق هذه الاتفاقيات.
3. ضرورة تبني خطة تطبيق نظام تأمين صحي على المدى الطويل، تضمن شمول خدمات الرعاية الصحية، وتطرح الورقة نموذج التأمين الصحي الاجتماعي كنموذج ملائم للحالة الفلسطينية.
4. مراجعة قرارات تشكيل مؤسسات وهيئات جديدة، إذا أن قرارات تشكيلها وتمويل نفقاتها يطرح تساؤلات كبيرة في ظل أزمة مالية وعدم القدرة على دفع كثير من الالتزامات المالية على الحكومة.
5. أن يتم الأخذ بعين الاعتبار دوماً عدم المساس بمصالح الفئات المحرومة والمهمشة والتأثير على حقوقهم، والعمل بشكل حثيث على زيادة الإيرادات ففي العام 2021 بلغت الإيرادات نحو 13.7 مليار شيكل، في حين بلغ حجم النفقات نحو 17 مليار شيكل، أي أن العجز نحو 3.3 مليار شيكل.
ختاماً، فإن محاولات الاصلاح المالي عادة ما تقتصر وتركز على الجوانب الفنية والمهنية. وبالنتيجة فإن مستوى الانجاز يكون محدود جداً. وفي هذا السياق، لا بد من تأطير الاصلاح المنشود بإرادة سياسية ذات رؤية واضحة، وإعادة صياغة منظومة التشريعات ذات الصلة وفق هندسية تشريعية جديدة، إضافة الى إعادة هيكلة الأطر المؤسسية وبما يفضي الى مؤسسات وإدارات كفؤة وقادرة على تطبيق الاصلاح وفق الرؤية المنشودة. وبالطبع، فإن ضمان مشاركة مجتمعية واسعة في النقاش وفي صياغة الرؤى وتحديد الأولويات من شأنه أن يفضي الى نظام ضريبي أكثر كفاءة تظهر تجلياته من خلال تحقيق مستويات متقدمة من العدالة الاقتصادية والاجتماعية.