في مقالة سابقة وصفت حركة فتح التي هي بيتي الاول والأخير، رغم بعدي كليا عن المواقع التنظيمية الرسمية فيها، بأنها الان .. الطاردة والمطرودة والغافلة.
وهانذا اكتب عن حركة حماس بذات المنهج والوصف والخلاصات، فهي المحاربة اي انها خاضت عدة حروب واسعة مع اسرائيل الى جانب معارك محدودة كانت تقع بين حرب واخرى، وما تزال تحتفظ بسلاحها المسيطر عليه تماما.
وهي المعتدلة التي استنكفت عن حربين تركت فيهما حركة الجهاد الاسلامي منفردة في مواجهة العدوان الاسرائيلي بآلته الحربية الضخمة، وآخرها حرب الايام الثلاثة. مانحة فرصة موضوعية للتسهيلات الموعودة التي تحتاجها غزة.
وهي الحائرة في كيفية اداء ما هو مطلوب منها كشرط لابد منه للالتحاق بمعكسر الاعتدال العربي الذي سبقتها اليه فتح بعد ان قدمت من خلال منظمة التحرير ما كان مطلوبا منها كشروط لاعتمادها في هذا المعسكر وما وراءه من قوى دولية وعلى رأسه الولايات المتحدة واوروبا.
تقدمت حماس خطوات ملفتة نحو اتجاه الاعتدال، اذ من المبكر استخدام مصطلح التحاقها بالمعسكر، ذلك حين حصلت على اشادة اسرائيلية بموقفها من حرب الايام الثلاثة، ومباركة دولية لما وصف بشجاعة ضبط النفس والاعتدال وتطوير للتنسيق التفصيلي مع مصر حيث كانت شريكا فعالا في جهود انهاء الحرب ، واخيرا الحصول على جائزة اردنية ثمينة باستقبال السيد خالد مشعل في عمان، والذي تميز بحفاوة بالغة لا ينقصها الا الاعلانات الرسمية البروتوكولية.
ربما تكون مجرد مصادفة ---على قلة المصادفات في المسارات السياسية-، ان يصل محمود عباس الى تركيا احدى الحاضنات الرئيسية لحركة حماس، ويصل خالد مشعل الى عمان ، الحاضنة الرئيسة للسلطة الفلسطينية، مشعل في عمان التي يشارك مليكها في لقاء العلمين وفي ضيافة المايسترو المصري سيد الاعتدال العربي، وعباس في انقرة التي دشنت قفزة هائلة في العلاقات الطبيعية مع اسرائيل على كل مستوياتها، ذلك في وقت شنت فيه الدولة العبرية حربا شعواء على عباس لمجرد استخدامه مفردة الهولوكوست دون ان يعني ما اعتبره الاسرائيليون انكارا لها.
عنوان زيارة السيد مشعل لعمان اتخذ شكلا عائليا اجتماعيا ولأنه لا يوجد في السياسة اعتبارات فعالة كهذه فهي في واقع الامر سياسية بامتياز، تراهن حركة حماس من خلالها على ان يبنى عليها الكثير في العلاقة مع الدولة النوعية "الاردن"، اي الدولة الاكثر رسوخا واساسية في معكسر الاعتدال العربي.
من المبكر جدا الحسم باستنتاجات يقينية حول الزيارة وما سيترتب عليها ذلك ان علاقة حماس مع الاردن تحتمل في الوضع الراهن تطورا ايجابيا بعد التعثرات التي مرت بها منذ اخراجها واغلاق مؤسساتها، الا ان هذا الجانب لن يكون كل شيء ولن يكون معزولا عن شبكة العلاقات في الاقليم وتموضع كل طرف من اطرافها، ذلك ان هنالك ممرا اجباريا امريكيا واوروبيا وعلى نحو ما دوليا، لابد من قطعه لمنح بطاقة العضوية في نادي الاعتدال، هو ذات الممر الذي قطعته فتح - منظمة التحرير لاعتمادها اولا في مدريد ثم واشنطن ثم اوسلو، وبعد حصولها على البطاقة وجدت نفسها وجها لوجه امام حائط صلب بنته اسرائيل ليحول بين الفلسطينيين وحقوقهم الأساسية، فأخذت كل ما تريد من اوسلو ولم تعط ما يترتب عليها من ما وعدت والتزمت.
عبرت حماس طريقا شائكا مكتظا بالحروب وممتلئا بالمعاناة الصعبة التي حلت بغزة واهلها منذ اول قذيفة القيت منها او عليها الى اخر وقف لاطلاق النار دون ظهور افق ملموس لانهاء الحصار وبلوغ تسوية سياسية تكون حركة حماس اما ممثلا للفلسطينيين فيها او شريكة لفتح في الذهاب اليها.
ان دروس رحلة السلام "الفتحاوية" تستحق من حماس وقفة تأمل لكل فصولها وبأدق التفاصيل ذلك لتحديد المواقف والخطى وبديهي ان تكتشف ان ما كان صعبا ومكلفا على صعيد خيار القتال سوف يبدو اكثر صعوبة وكلفة ازاء خيار الاعتدال، ولا شك في ان مضاعفة الصعوبات والتكاليف ينتجها عدم حسم التمثيل الفلسطيني بصورة نهائية فلا فتح بقادرة على التقدم الى الامام ولو بخطى متواضعة، ولا حماس بقادرة على الاقلاع في اي اتجاه اذا ما استمر الانقسام بما يحمله من تنازع على النفوذ والشرعية، والعالم الذي يمنح علامات النجاح والفشل ليس بغافل عن الواقع.
كان يمكن ان يكون الطرفان المتنازعان في حال افضل بكثير لو ذهبا الى الوعاء الصحي الجاهز للاحتواء وهو منظمة التحرير التي جسدت وقادت وحدة وطنية شاملة وراسخة رغم مسيرتها الطويلة فوق حقول الالغام فهل تؤدي الانقلابات والاصطفافات الجديدة في الاقليم والعالم الى ان يعاد اكتشاف اهمية منظمة التحرير كحاضنة وطنية للجميع، دون اغفال الحاجة لاصلاحها مع الاقرار بحقيقة بديهية تقول ان الاصلاح يكون ممكنا اذا كان من داخلها، وهذا ما لم تعتمده حماس وما لم تفعل فتح الكثير من اجله.
اخيرا ... ينبغي ان لا ينظر للمنظمة كاطار وحاضنة للوحدة من خلال واقعها الراهن، الذي تبدو فيه شبه منظمة لا اكثر، ان ما ينبغي ان يفعل هو العودة من جديد اليها عبر اعتماد التراتبية الانتخابية التي كادت تنجح في ايار الماضي وهي الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية ثم المجلس الوطني، اذا ما تم ذلك فسوف تتوفر ميزة نادرة وهي ان يكون المجلس الوطني نصفه منتخب ما يسهل التوافق على النصف المتبقي وهذا ما ينبغي ان ينصرف الاهتمام اليه اذا ما اراد الجميع ان يضع القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية في مكانها الصحيح.