صدى نيوز - نفذت القوات الأمريكية في سوريا ضربات جوية ضد القوات المدعومة من إيران خلال الأسبوع الجاري، وذلك رداً على هجومٍ بالطائرات المسيّرة ضرب القاعدة الأمريكية في التنف مؤخراً، والهجمات الصاروخية على قاعدتين أخريين في شمال شرق سوريا. 

ونشر التحالف الدولي مقاطع مصورة، الخميس، 25 أغسطس/آب 2022، قال إنها للمواقع التي تم استهدافها بمدينة الميادين السورية في دير الزور الخاضعة لسيطرة النظام، فيما تنفي طهران علاقتها بالمواقع المستهدفة. وتتمتع الجماعات المسلحة الإيرانية بوجود قوي في البلدة، ولطالما استهدفت حقل العمر النفطي القريب على الضفة الشرقية للنهر، حيث توجد أكبر قاعدة للتحالف الأمريكي في سوريا.

ما الجديد في الاشتباكات الأمريكية الإيرانية في سوريا؟

يقول تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية، إن هذا الحدث يعد مهماً لأنه يسلط الضوء على استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع إيران وشركائها في سوريا، رغم أنه يأتي وسط احتمالية أن تُعيد واشنطن وطهران إحياء الاتفاق النووي الإيراني. فماذا وراء الاشتباكات الأمريكية الإيرانية في سوريا؟

سبق أن نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية انتقامية ضد الجماعات الموالية لإيران نتيجةً للهجمات في العراق. لكن سبب اختيار الولايات المتحدة أن ترد داخل سوريا في الماضي يرجع إلى وجود حرية تصرفٍ أكبر في سوريا.

إذ تُعتبر الولايات المتحدة ضيفةً على الحكومة العراقية، حيث تتواجد قواتها داخل العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وليس إيران. وعادةً ما ترتبط الميليشيات الموالية لإيران في العراق بالأحزاب السياسية الشيعية العراقية، وتتلقى أجوراً من الحكومة باعتبارها قوات شبه عسكرية.

أما في سوريا، فسنجد أن الجماعات الإيرانية ترتبط بإيران أو النظام السوري، لكن الولايات المتحدة ليست بحاجةٍ لاستئذان النظام السوري هناك، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي. 

مما يعني أن الولايات المتحدة تستطيع تنفيذ الضربات الانتقامية ضد إيران في سوريا دون عقاب. كما تعمل إيران دون عقاب داخل سوريا أيضاً، حيث تهدد القوات الأمريكية وإسرائيل من هناك.

ما وراء التصعيد الأخير بين أمريكا وإيران؟

بحسب الموقع الأمريكي، فلا شك أن الإبقاء على القوات الأمريكية داخل سوريا يمثل خطأ فادحاً، فشلت الإدارات المتعاقبة في تصحيحه. وكلما طال أمد بقاء القوات الأمريكية داخل سوريا بشكلٍ غير قانوني، زادت احتمالية أن تُسفر إحدى تلك الاشتباكات عن خسائر، كان بالإمكان تجنبها. 

وربما تشعر إدارة بايدن بالتردد في سحب القوات من دولةٍ أخرى بعد ما حدث أثناء الانسحاب من أفغانستان، لكن وجودهم المتواصل في سوريا يُحوّلهم إلى أهداف لا تفعل شيئاً لزيادة تأمين الولايات المتحدة. فما السبب وراء اندلاع القتال الأخير؟ 

الإجابة هي الهجوم الذي وقع في 15 أغسطس/آب على قاعدة التنف، والذي جاء على الأرجح كردٍ انتقامي على قصف إسرائيل لمناطق أخرى من سوريا قبلها بساعات. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض خلالها القوات الأمريكية لنيران الميليشيات رداً على قصف إسرائيل لسوريا.

ونقلت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية في يونيو/حزيران من العام الجاري أن إسرائيل تنسق مع الولايات المتحدة قبل تنفيذ العديد من ضرباتها الجوية داخل سوريا، وتحدث هذه الهجمات بمعرفة وموافقة الحكومة الأمريكية. أي إن القوات الأمريكية تتعرض للخطر بسبب الحكومة الإسرائيلية التي تشن حرب ظلٍ مزعومة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.

كيف تؤثر جولة التصعيد هذه على فرص إنجاح الاتفاق النووي؟

في الوقت ذاته، أدت الاشتباكات المتكررة في سوريا إلى تصعيد التوترات مع إيران والتهديد بتقويض المفاوضات النووية الجارية معها. ولا يمكن لإدارة بايدن أن تسمح لجولة العنف الأخيرة بالتأثير على المفاوضات النووية الرامية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة. بل على العكس، يجب أن تمثل الهجمات المتبادلة في سوريا تذكرةً بمدى أهمية إبرام الاتفاق النووي بالنسبة للولايات المتحدة.

لكن يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن إسرائيل لم تخفِ عداءها للاتفاق النووي، وضغطت باستمرار لإفشاله قبل إبرامه للمرة الأولى. ومن المحتمل أن يكون الغرض من توقيت الضربات الأمريكية الأخيرة هو "طمأنة" المسؤولين الإسرائيليين، الذين يزورون واشنطن، إلى أن إحياء الاتفاق النووي لن يمنع إدارة بايدن من استخدام القوة ضد وكلاء إيران. 

لكن إدارة بايدن ستكون مخطئة إذا اعتقدت أن استعدادها لقصف الأهداف في سوريا سيخفف عنها مقاومة الحكومة الإسرائيلية للاتفاق النووي، كما يقول الباحث الأمريكي دانيال لاريسون في Responsible Statecraft.

وربما يؤمن العديد من المسؤولين الإسرائيليين بأن إحياء الاتفاق النووي سيصب في مصلحة إسرائيل، وفقاً لتصريحات المسؤولين السابقين علناً مثل إيهود أولمرت، لكن القيادة السياسية لن تتخلى عن رفضها المتعصب. أي إنه لا جدوى من بذل الجهود لـ"طمأنة" حكومة عازمة بكل ما تملك على رفض الطمأنينة.

هل تتورط أمريكا في سوريا أكثر بدلاً من الانسحاب؟

ولا شك أن التحرك الأمريكي العسكري الأخير في سوريا ستكون له تداعياته على الجدل القائم حول صلاحيات الحرب وسلطات الرئيس أيضاً. ويُمكن القول إن الضربات الأمريكية الأخيرة في سوريا تُعتبر موضع شك من الناحية القانونية في أفضل الأحوال، كما يقول لاريسون.

إذ لم يُصرّح الكونغرس بالتواجد العسكري الأمريكي في سوريا، ولا يوجد تفويضٌ دولي لهذا التواجد. كما يصعب التعامل مع الغرض الظاهري من نشر القوات في سوريا بجدية. إذ إن هذا الغرض هو مكافحة ما تبقى من مسلحي داعش، لكن داعش لم تعد تمثل تهديداً بالقدر نفسه اليوم، فضلاً عن أن التهديد الرئيسي للقوات الأمريكية في تلك القواعد يأتي من القوات الموالية لإيران وللنظام السوري.

ومن المؤكد أن الانسحاب من سوريا سيمثل وفاءً من الرئيس بايدن بالتزامه أن يُنهي حروب الولايات المتحدة الأبدية، كما سيقضي على فرصة وقوع حوادث جديدة يمكن أن تنفجر وتتحول إلى صراعٍ أكبر. وإذا بقيت القوات الأمريكية داخل سوريا، فستكون مسألة وقتٍ فقط قبل أن يتعرض جنود الولايات المتحدة للإصابة أو القتل، وليس هناك أي سبب مقنع لهذه المخاطرة.

ما رأي إيران؟

لن يؤدي تفجير شاحنة تُستخدم لنقل الذخيرة، أو قصف قاذفة صواريخ، إلى قلب موازين اللعبة. فهل سترى إيران اليوم أن عليها التعامل بحذرٍ أكبر في سوريا نتيجةً لهذه الهجمات؟ 

تقول صحيفة Jerusalem Post، إن إيران تنظر إلى الميليشيات باعتبارها وقوداً للمدافع، لكن الوضع يختلف حين نتحدث عن جنود وضباط الحرس الثوري. ولهذا لا ترسل إيران عدداً كبيراً من رجال الحرس الثوري إلى سوريا.

وربما تتضمن القوات الإيرانية في سوريا 1,000 عنصر من عناصر الحرس الثوري، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من رجال الميليشيات. ولهذا قد لا تمثل ضربة لمستودع، أو شاحنة، أو قاذفة قنابل، أو سيارة حدثاً كبيراً من وجهة النظر الإيرانية.

بينما يعتبر استمرار المحادثات النووية وعزم الولايات المتحدة الواضح على العودة إلى الاتفاق حدثاً مهماً. وتُدرك الولايات المتحدة أن إيران ستواصل "سلوكها التهديدي" الذي يُزعزع الاستقرار في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن بغض النظر عن الاتفاق النووي.

ولم تتحدث وسائل الإعلام الإيرانية عن الهجمات الأمريكية في سوريا كثيراً؛ لأن إيران تريد التقليل من أهميتها، في الوقت الحالي على الأقل. لكن إيران ستواصل استخدام وكلائها في العراق وسوريا لتهديد الولايات المتحدة، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.

كما ستواصل إيران استخدام حزب الله لتصعيد التوترات مع إسرائيل، وهذا هو السياق الكبير للأحداث. ولن تكفي بضع ضربات جوية لتغيير خطة اللعب الإيرانية الشاملة في المنطقة.