سأظل أذكر سؤالين طرحتُهما على مجموعة من الشباب منذ عدة سنوات: ماذا تعرفون عن هرتسل؟! وماذا تعرفون عن أحمد الشقيري؟! كانت الإجابات صادمة، عندما أجاب اثنان إجابة صحيحة عن السؤال الأول، وفشلوا في الإجابة عن السؤال الثاني، فهم لا يعرفون أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية!
للتذكير فقط، فإن أحمد أسعد الشقيري، هو مناضل وقائد فلسطيني اشترك في ثورة فلسطين الكبرى 1936 - 1939، هذا الحقوقي البارز هو مايسترو تنظيم العمل الفلسطيني، في إطار منظمة التحرير، وهو كذلك وجهٌ فلسطيني مُشرف في مجال الدعوة للقضية الفلسطينية، ومايسترو مؤتمر القمة في الخرطوم بعد حرب العام 1967م، مؤتمر اللاءات الثلاث، لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي.
أُبعد الشقيري عن الساحة السياسية، أجبر على الاستقالة العام 1967، فما السبب في غياب هذا الاسم التاريخي عن اهتمامات شبابنا، وكيف نعالج ذلك؟!
انظروا ماذا فعل الإعلام الإسرائيلي وهو يحتفل بذكرى مرور قرن وربع القرن على تأسيس الحركة الصهيونية؟ جرى الاحتفال في (ستاد كازينو) في مدينة بازل سويسرا مساء يوم الاثنين 29-8-2022، رفع منظمو المؤتمر شعاراً مركزياً للمؤتمر وهو: «تَبنّي رؤية هرتسل الاجتماعية والاقتصادية، ومواجهة التحديات التي يتعرض لها الشعب اليهودي في العقود القادمة».
هذا الاحتفال المبرمج كان مزيجاً من الأغاني والموسيقى، والأفلام الوثائقية، ودعوة يهود العالم للهجرة إلى إسرائيل، ومحاربة اللاسامية، والاعتزاز بالخطابة باللغة العبرية الجديدة، كان الهدف الرئيس هو تحديث صورة، ثيودور هرتسل، ألبسوا أحدَ الممثلين زي هرتسل بلحيته الطويلة وقبعته، التقط هرتسل الممثل صورة سيلفي مع رئيس المؤتمر ورئيس الدولة بتمثيل هزلي، لإثبات حداثة فكره، وردد حكمته المشهورة (احلموا واعملوا)!
أما الطقس الثاني الذي جرى خارج قاعة المؤتمر، التقط إسحق هرتسوغ صورة تذكارية له في المكان الذي وقف فيه هرتسل العام 1897، في بلكونة غرفة هرتسل في فندق، جراند هوتل في بازل، وهذا تقليد ينفذه كلُّ رؤساء إسرائيل، وكان الرئيس السادس لإسرائيل والد الرئيس الحالي (حايم هرتسوغ) قد التقط صورة له في المكان نفسه 1987، غير أن الابن، رئيس دولة إسرائيل الحالي قرر هذه السنة أن يُضيف طقساً جديدا على البروتوكول المُعتاد وهو أن ينام على سرير، هرتسل نفسه في الغرفة نفسها!
مع العلم أن ألفاً وأربعمائة هم المشاركون في هذا المهرجان، هم رؤساء شركات ومنظمات يهودية عالمية في كل مجالات الحياة، ولا سيما في مجال التكنولوجيا الحديثة، هؤلاء عقدوا أيضاً صفقات تجارية واقتصادية بين إسرائيل وسويسرا!
سأظل أذكر آخر مؤتمر صهيوني عُقد في القدس يوم 20-10-2020 وهو المؤتمر الثامن والثلاثون تابعتُ وقائعه على شبكة الإنترنت بسبب جائحة الكورونا، أدركتُ أن المؤتمر الصهيوني لا يزال مؤثراً في سياسة إسرائيل، وأنه حلَّ مشكلة معقدة، وهي نسبة التمثيل في المؤتمر، وجرى حلها وفق النسب الآتية: 38% يجب أن يكونوا من سكان إسرائيل، 29% من أميركا، 33% من يهود العالم. رفع المؤتمر شعاراً مركزياً وهو العمل الموحد لتهجير يهود العالم إلى إسرائيل، وتسخير الميزانيات لهذا الغرض!
لا يزال قادة المؤتمر الصهيوني بأقسامه المختلفة يُجرون تحديثات على مؤتمرهم ليصبح لاعباً رئيساً في حياة الإسرائيليين، فما يزال المؤتمرُ يملك القوة والتأثير والنفوذ، ليس في مجال السياسة فقط، بل في كل مجالات الحياة!
أوردت ما سبق حتى نقارن بين المؤتمر الصهيوني ودوره في حياة المحتلين الصهيونيين، وبين دور منظمة التحرير الفلسطينية في حياتنا، مع العلم أن تأسيس منظمة تحريرنا هو الأحدث زمنياً 1964، وهي منظمة حقوقية عالمية، ترفع شعار العدل والمساواة.
علينا أن نعترف بأننا نحن المسؤولين عن التقصير في تحديث منظمة تحريرنا، وإبعادها عن مصدر القرار، حوَّلناها من لاعبٍ رئيس إلى لاعبٍ بديل، ثم ها هي اليوم تصبح ديكوراً سياسياً وعباءة قبلية!