تبدو القمة العربية القادمة في الجزائر مهمة ومفصلية في العلاقات العربية العربية، وعليه فإن الحرص الجزائري على عقدها بصورة ناجحة يعكس فهم طبيعة المرحلة العربية والصعوبات والتحديات التي تواجهها المنطقة العربية؛ في ظل التهديدات الخارجية والصراعات الداخلية التي مزقت الكثير من دولها. ثمة حالة ترهل لا يمكن تجاهلها في الحالة العربية العامة، وهناك عدم ثقة واضح بمؤسسات العمل العربي سواء لدى الدول والجهات الرسمية أو لدى المواطن العربي من المحيط إلى الخليج. هذا الأمر يتطلب فعلاً عربياً حقيقياً ومساعي جادة لعقد قمة قادرة على الأقل أن تضع سؤال الثقة على المحك من أجل إعادة ترميم الحالة العربية.
هناك الكثير من المتطلبات الواجبة من أجل نجاح هذه القمة، وهي متطلبات بحاجة لعمل جاد من أجل تجاوز بعض المشاكل الكبرى التي تعترض العمل العربي المشترك. المؤكد أن أول تحدٍ يواجه تلك القمة هو أن تكون قمة كل العرب، وأن تكون قمة كل العرب هو أن تحضرها جميع الدول العربية، ولا يتم استثناء أحد من الجلوس حول طاولة العمل العربي. لقد عكس ما يطلق عليه البعض الربيع العربي نفسه على الحالة العربية. والمؤكد أن لهذه المرحلة ما لها وعليها ما عليها، والمؤكد أيضاً أن السواد في اللوحة أكثر من الألوان المضيئة فيها، ومن المؤكد كذلك أن المؤسسات العربية المشتركة كانت ضحية تلك اللحظة.
لسنوات منذ بدأت الأزمات تعصف بالدول العربية التي هب عليها حريق هذا الربيع، عانت مؤسسات الجامعة العربية من الكثير من الأزمات، وصارت مسرحاً للصراع بين أقطاب مختلفة تريد أن تفسر الحالة العربية وفق مفاهيم خاصة. لم تتمزق تلك الدول فقط، بل تمزق الكثير من مؤسسات العمل العربي المشترك ولم تعد ذات جدوى، بل إن المواطن العربي بات يشعر أن هذه المؤسسات تعمل على تمزيق الحالة العربية، وتفتت الجهد العربي. ومن أجل أن تعود تلك المؤسسات مؤسسات عربية حقيقية عليها أن تكون حقاً مؤسسات الكل العربي، بحيث لا يحرم طرف من الحضور لأن هناك من يفهم الوضع الداخلي لهذه الدولة أو تلك بطريقته الخاصة.
وإذا كان المطلوب أن يحضر الجميع، فإن هذا يجب أن ينطبق على كل البلدان العربية، لأن الربيع العربي أغلق الباب أمام مشاركات البعض بحجج وجود صراع على الشرعية. وربما لو أن مثل هذا السؤال مفتوح للجميع لوجدت أن كل دولة عربية تعاني من نفس الأزمة، والسبب الرئيس حقيقة أن الكثير من بلداننا العربية ليست دول مواطنة. وهذا نقاش مختلف لا أؤيد أن أخوض فيه الآن. ما يعنينا منه أنه يصعب القول: إن تلك الدولة تعاني أزمة شرعية وأزمة اضطرابات وصراعات مسلحة فيما بقية الدول لا تعاني. هناك معاناة بمستويات مختلفة بحاجة لمعالجة أعمق.
إن النظر إلى الحالة العربية من منظور خارجي عدساته مصالح غير عربية سيجلب المزيد من الترهل والسقوط لمنظومة العمل العربي الموحد. المطلوب أن نعمل كعرب مشتركين من أجل رفعة حال المؤسسة العربية الموحدة. لا نملك الكثير من الخيارات، ولكن حتى ضمن المتاح منها يمكن لنا أن نطور من واقعنا ونتجنب المزيد من الخسائر.
إذا أرادت الجامعة العربية أن تظل «جامعة» وأن تظل «عربية» عليها أن تسعى لترميم الوضع العربي، وعليها أن تبدأ من مؤسساتها الخاصة، كي تصبح تلك المؤسسات وحدوية ولا تصبح أداة أخرى لتمزيق الحالة العربية. حسناً تفعل الجزائر حين تصر على حضور الجميع العربي، خاصة تلك الدول التي كانت ضحية الربيع العربي وأعملت فيها سكاكين الآخرين تمزيقاً. إن هذا الإصرار يعكس فهماً عميقاً للحالة العربية الراهنة، وما تعكسه من تحديات وصعوبات أمام نهضة العرب وشروط نجاح القمة القادمة. دون هذا الحضور للجميع فإن القمة ستظل ناقصة. وربما مثل هذا الحضور لا بد أن يكون بداية مصالحات عربية عربية من أجل توحيد الجهود العربية.
مرة أخرى لا أحد يصيبه الوهم ويقول: إن الجامعة العربية منذ نشأتها هي نموذج الوحدة العربية المنشودة، لكنها مع ذلك هي المتاح من أجل العمل لتحقيق حدود دنيا من العمل العربي المشترك، ومؤسساتها هي مؤسسات يمكن من خلال توظيفها السليم خلق مستويات مختلفة من هذا العمل.
إن لم يتم تطوير الجامعة في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها الأمة العربية، فإننا سنفقد آخر فرصة ممكنة من بقاء شيء مؤسساتي مشترك بين الدول العربية التي خلقتها «سايكس بيكو». مرة أخرى الجامعة ليست حلماً عربياً حقيقياً؛ لأنها وطوال عقود لم تنجح في أن تكون منصة للوحدة العربية، بل إنها لم تنجح في منع الشقاق العربي العربي وفي حالات كانت منصة له، وفيما تقدم الكثير من المشاريع التكاملية في العديد من الجهات الإقليمية، إلا أن الجامعة العربية ظلت مؤسسات بلا فعل حقيقي. تجربة أوروبا حاضرة أمامنا؛ حيث تحول المشروع التكاملي الأوروبي من شركة لتنظيم تصدير الفحم والصلب بين ستة بلدان أوروبية إلى مشروع تكاملي بين 27 دولة.
ومع ذلك، فإن الحفاظ على الجامعة العربية وتطويرها مهمة عربية أساسية من أجل تجنب المزيد من الخسارات في الحالة العربية. وهذا لن يتم إلا إذا عملنا حقاً من أجل أن تكون الجامعة جامعة بمعني الكلمة، وجامعة لكل العرب دون استثناء. من هنا، فإن القمة القادمة في الجزائر مصيرية ويجب أن ينظر لها على أنها قمة التحدي العربي من أجل القفز عن حالة الركود في الحالة العربية، والبحث مرة أخرى عن القواسم المشتركة ولو كانت ضعيفة؛ لأنه وقتها يمكن العمل على تطويرها ورفع سقفها.