يبدو أن الحكومة الفلسطينية الحالية قد فقدت بوصلتها، أو أنها تسعى مُتعمدة لهدم ما تبقى من المجتمع الفلسطيني بطعنة واحدة، من خلال عملها على إقرار قرار بقانون ضريبة القيمة المضافة؛ لرفع إيراداتها من جيوب المواطنين "المخرومة" أساساً، والمُثقلة بالديون.

ضريبة القيمة المضافة (16%) ستُحصَل وفقاً لمسودة القرار بقانون المقترحة، من كل مواطن، وخلال كل الأنشطة المالية في يومه، سواء عند شرائه حاجيات البيت، أو الذهاب للطبيب، أو استشارة محامي، أو التنقل بالمواصلات، أو شراء سيارة مستعملة، أو شقة صغيرة إلى آخره، إلى أن يكون قد دفع مقداراً ليس باليسير من دخله، كمساهمةٍ إجبارية منه في خزينة الحكومة.  وبذلك تكون الحكومة قد فتحت "خرماً" جديداً في جيب المواطن، يُضاف إلى أقساط البنك، والمدارس، والإيجار الشهري، وفواتير المياه، والكهرباء، والاتصالات، والمواصلات، وغيرها.

كما يبدو أن الحكومة غافلة -أو لعلها تتغافل- عن ارتفاع الأسعار الفاحش في جميع أنواع البضائع والسِلع، وخاصة الأساسية منها، إثر ارتفاع أسعار النقل الدولية بعد أزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، ورفع بنك إسرائيل المركزي لأسعار الفائدة البنكية، خاصة القروض الشخصية، وقروض التجار، مما دفع التجار لرفع أسعار سلعهم.  هذا عدا عن أن دولة الاحتلال هي من يتحكم في رفع أسعار الوقود والكهرباء، بينما الحكومة لا تتدخل لحماية المواطنين من هذه الارتفاعات، طالما أنها تضمن ضريبتها الوارد إليها عن تلك السلع.

هذه الحكومة التي تسعى لزيادة الأعباء على المواطنين، وحل أزماتها المالية على حسابهم، عوضاً عن مقارعة الاحتلال بندّية أمام اقتطاعاتها المالية، لم تستطع حتى الآن فرض الحد الأدنى للأجور على المشغلين لتوفير الحد الأدنى من الحماية للعاملين، ويبدو أنها لم تسمع مسبقاً عن مبدأ أساسي يجب أن يرافق عملها، وهو مبدأ "الحماية الاجتماعية".  هذه الحكومة ستدفع بالطبقة الوسطى إلى الفقر وبالفقراء إلى الجحيم، المهم تمويل الخزينة العامة.

ولم توضح الحكومة إذا ما كانت ستفرض هذه الضريبة على الشق المالي من عقود الزواج، حيث أن تلك العقود من الممكن أن تخضع للمادة (9 بند 1) الفضفاضة، والمتعلقة بالصفقات القائمة على علاقات خاصة بين أطرافها.

القطاع الخاص سينهار، فلمجلس الوزراء وخلافاً للقانون الأساسي تعديل نسبة الضريبة، أو فرض نسب متفاوتة، والقطاع الخاص وأي تاجر صغير (تويجر يسعى لبناء مشروع صغير) مُكلفٌ بتحصيل الضريبة من المواطنين، والإقرار عنها، وتوريدها للخزينة العامة.  بمعنى أولي: أنه سيصبح يعمل لدى الحكومة ناقلاً للضريبة ولكن بالسخرة وبقوة القانون، أو العقوبات والغرامات بانتظاره.

ووفق المسودة، فلمدير عام الضريبة الحق في تحديد قيمة الضريبة على المُكلف الذي يتخلف عن تقديم تقرير ضريبي شهري، دون أن يكون له حق الاعتراض أو الطعن وفق المادة (80 بند 2).  كما أن موظفو الضريبة يتمتعون بصلاحية الضبط، والاحتفاظ بالبضائع، والنقد، والآلات، والدفاتر، والسجلات، لمدة لا تزيد عن (90) يوم وتُجدد لمرة واحدة، أي أن الموظف له الحق في شل عمل أي مكلف لمدة ستة أشهر، ودفعه نحو الخسارة أو الإفلاس، دون قرارٍ أو رقابةٍ قضائية وفق المادة (99 بند 2)، وهذا من شأنه أيضاً إفساد الموظف العام.

الحكومة وضعت نفسها في خانة المصارف الاستثمارية، فلها الحق في فرض فائدةٍ بحد أقصى (5%) سنوياً من قيمة الضريبة المستحقة على المكلف، في حال عدم دفعها في المواعيد المحددة وفق المادة (91).  وفائدة لا تزيد عن (9%) في حال قرر المكلف تقسيط التزامه نحو الحكومة وفق المادة (98 بند 2)، لأن تخلف المُكلف عن السداد أو السداد بالتقسيط سيكلف الحكومة خسائر استثمارية. 

إن الأصل في كافة الضرائب، وبكونها حق ثابت بنِسب مُحددة بالقانون لصالح الحكومة، وحتى وإن تأخر المُكلف أو تخلف عن سدادها، لا يُعفيه منها بقيمتها المُحددة بالقانون.  إلا أنه، ووفق المقترح الجديد، سيصبح للحكومة حق أكبر، واستثمار لحقوقها الضريبية في جيب القطاع الخاص، كلما تأخر عن سداد القيمة الأصلية، أو قام بتقسيطها، وكأن الضريبة قرض بنكي.

أما جماعة "سيادة القانون" و"الحوكمة" و"الحقوق" فليذهبوا بما يقولون إلى الجحيم، فالمسودة المطروحة وفي المادة (95 بند 1) تُعطي مفوض عام الإيرادات، ووزير المالية، صلاحيات قضائية، كالحجز التحفظي ومنع السفر.  وهنا، إما أنّ الحكومة لا تثق باستقلالية السلطة القضائية، أو أنها ترى القضاء ضعيفاً بمكان يخولها اغتصاب صلاحياته.  كما أن لمدير عام وزارة المالية وفق (البند 3) من ذات المادة، منْع المُكلف من ممارسة نشاطه كلياً أو جزئياً، وضمه إلى صفوف العاطلين عن العمل في حال مخالفته لأحكام القانون، بمعنى آخر وكأن لسان حال الحكومة يقول: "يا إما أن تدفع الضريبة ونتركك تشتغل، أو ما إلك شغل في هالبلد".

ولمفوض عام الإيرادات، وفق المادة (102 بند 2) انتهاك خصوصية أي مواطن، أو تاجر، أو رجل أعمال، لمجرد الاشتباه بارتكابه جريمة ضريبية خلافاً للقانون، فللمفوض العام الحق بالحصول على المعلومات المصرفية لأي تاجر دون أمر قضائي، ومن هنا يبدأ الابتزاز بقوة القانون، حتى أن موظف سلطة النقد سيُعرض نفسه للعقوبة إذا لم يُفصح عن المعلومات المصرفية لأي تاجر خلال (10) أيام.  وفي المقابل، فإن أفشى أي موظف أو صاحب صلاحية، معلومات مصرفية لأية تاجر، أو رجل أعمال، فلن يتعرض لأية عقوبة.

وتُحصن مسودة القرار بقانون المقترحة الموظف والإجراء ذاته، من الأخطاء والعيوب والإغفال، خلافاً لكل المبادئ الدستورية، حيث تنص المادة (115) على أن الإجراءات لا تعتبر باطلة لوجود عيب أو خطأ أو إغفال حصل فيها إذا ثبت تحقُق الغاية، والله من وراء قصد الحكومة.

وزارة المالية مُكلفة بإنجاز مسودة القرار بأسرع وقت ممكن، ورفعها لمجلس الوزراء خلال شهر أيلول الجاري، وإذا ما أُقر بهذا التوجه والقصد سيكون طعنة لكل مكونات ومقومات المجتمع، فما طُرح في هذا المقال من ملاحظات مهنية، تُضاف إلى ملاحظات زملاء قانونيين واقتصاديين، صدرت في مقالات نقدية ونُشرت خلال الأيام الماضية، وفي مجموعها تُظهر مستوى "العِوار" الذي تحمله مسودة القرار بقانون بين طياتها.

الحكومة مُطالبة بوقف العمل على أية مسودة قرار بقانون تزيد من الأعباء المالية على المواطنين المستَنزَفين، ومُلزمة بتوضيح نواياها ومقاصدها صراحةً وبشفافية، إزاء العمل على مثل تلك القرارات بقانون، بما في ذلك دراساتها المهنية المسبقة حول تداعياتها الاقتصادية على المواطنين وقطاع الأعمال.  كما أن القطاع الخاص والمجتمع المدني مُطالبان بموقف وحِراك واضح وحاسم إزاء رفض هذا المقترح من أساسه، حماية للمواطنين، والفئات الهشة منه، وليس دفاعاً عن مصالحها.