تشرفت بلقاء جلالة الملك الحسين في عمان اثناء محادثاتنا الصعبة حول الخليل، التي كانت التكتيكات السياسية غير المتقنة فرضت علينا قبول تأجيل الانسحاب الإسرائيلي منها على عكس ما حدث في باقي المدن.
كان ضروريا بل وحتميا ان نطلب من الراحل الكبير الدخول المباشر على خط الجهود السياسية المتعثرة حول المدينة، وللحق كان دوره فعالا في إنجاح هذه الجهود وفق ما كان ممكنا آنذاك.
غاب الحسين عن المشهد بموت قدر الله ان يكون مبكرا، وفي ظرف كانت الحاجة لدوره اكثر الحاحا وضرورة.
منذ وفاة الحسين والى أيامنا هذه والى اجل غير مسمى، جرت في الأنهار مياه كثيرة ووقعت على ضفافها القريبة والبعيدة احداث جسام غيرت نظما وكيانات وسياسات وتحالفات، غير ان الثابت الأهم الذي لم يتغير وبالامكان القول لم يمس، هو الحالة الأردنية الفلسطينية، حيث نجت اهم رئة تنفس فلسطينية من عصف الربيع العربي الكارثي ، كانت نجاة لحياة ومصير مشترك، لم تنل منه كل الحروب والتقلبات السياسية، وظلت الرئة على قيد الحياة والعمل، وكان وما يزال العامل الأهم والأكثر فاعلية في بقائها واستمرارها.. تلك الحاجة التي تتفوق على كل الاعتبارات السياسية والتأثيرات الخارجية.. حاجة الناس للتنفس ومواصلة الحياة .
قوة العلاقة الأردنية الفلسطينية وصمود اساساتها وتنامي الحاجة للحفاظ عليها وصيانتها وتطويرها اضحت بحاجة ملحة لمراجعة شاملة وتفصيلية لكل مكونات هذه العلاقة، ولم يعد جائزا التعامل معها على نحو مجتزأ او بردود فعل على أزمات تنشأ بين وقت وآخر.
كل تفصيلة في العلاقة الأردنية الفلسطينية بالغة الأهمية كونها تمس عصب الحياة والمصير، الا ان التعاطي مع العلاقة بالقطعة وبمتطلبات الازمات التي تنشأ بين وقت وآخر يبدو خللا منهجيا في إدارة العلاقة وحمايتها وتطوير مستلزمات معطياتها الإيجابية والضرورية.
الأردن ليس مجرد الجسور التي يعبر منها الفلسطينيون الى العالم، وليس مجرد رد فعل على مطار إسرائيلي اثار ما اثار من قلق ومخاوف اعمق واخطر بكثير من كونه منافسا للجسور والمطار الأردني.
وليس مجرد وصي مقبول فلسطينيا على المقدسات والاوقاف، وليس مجرد شريان اقتصادي واجتماعي وتعليمي وثقافي مشترك بل ومندمج. انه ذلك كله يجسده نسيج مصالح لا مجال لتوفره مع بلد آخر وشعب آخر وجغرافيا أخرى.
الوجه السياسي للعلاقة لا ندوب ولا تمايزات سلبية فيه، فالاتجاه والاهداف متطابقة نظريا وعمليا، واداء مهامها يتم بتوافق نموذجي كمعزوفة لا نشاز فيها.
كل المنغصات التي تنشأ بفعل اخطاء فردية او اجتهادية او تدخل إسرائيلي بشتى الوسائل، او بفعل إجراءات كانت مفهومة ويمكن احتمالها في وقت سابق، واضحت شديدة التأثير السلبي، يمكن القضاء عليها ليس فقط بترتيبات موضعية على أهميتها وضرورتها، وانما من خلال سياسة شاملة عنوانها ومضمونها تطوير العلاقة الفلسطينية الأردنية من كل الجوانب، ولدى الجانبين ما يكفي ويفيض من الكفاءات القادرة على تحديد المشترك وكيفية خدمته وتفادي المعوقات وعزلها عن التشويش على المجرى الإيجابي للعلاقة الحتمية والمصيرية بين الجانبين.
حين يكون المصير مشتركا فلا مناص من ان يكون الانسجام والتكامل سياسة حتمية علمية ومنهجية وعملية.
الفلسطينيون المحاصرون بحاجة للأردن كيفما هو.
والاردنيون كذلك.