إذا حكمنا على نتائج دخول منظمة التحرير عملية التسوية السياسية بتوقيعها اتفاقية أوسلو انطلاقاً مما آلت إليه الأمور بعد 29 عام فإن الواقع القائم على الأرض وخصوصاً تواصل الاستيطان والتهويد وضياع القدس يؤكد على فشل هذا الاتفاق في تحقيق السلام وفشل السلطة الفلسطينية المنبثقة عن الاتفاق في تحقيق ما كانت تراهن عليه القيادة الفلسطينية في أن يكون الاتفاق والسلطة بداية للتأسيس لدولة مستقلة، ولكن السؤال هل كان مصير القضية الفلسطينية سيكون أفضل لو لم يتم توقيع اتفاق أوسلو؟
القيادة الفلسطينية وبعد حوالي 3 عقود تعترف بفشل تسوية أوسلو وتُحمل إسرائيل كامل المسؤولية عن فشل مشروع تسوية أوسلو، وإن كانت مسؤولية إسرائيل أمر مؤكدا إلا أن أطرافاً أخرى تتحمل المسؤولية عما آلت إليه الأمور ومنها القيادة الفلسطينية نفسها.
ولأن هناك الكثير مما يُقال حول اتفاق أوسلو وحتى نبتعد عن المناكفات السياسية وتوجيه الاتهامات المتبادلة حول المسؤولية عما آلت إليه الأمور بعد اتفاق أوسلو، فإننا سنقتصر على إبداء بعض الملاحظات والهوامش ليس بهدف تبرير دخول القيادة الفلسطينية لعملية تسوية أوسلو بل لاستخلاص العبر مما جرى ووضع إستراتيجية أو رؤية لكيفية التعامل مع إفرازات أوسلو وكيفية استعادة حضور القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني.
1- كانت أوسلو ممراً إجبارياً
قبل توقيع منظمة التحرير اتفاقية أوسلو كانت المنظمة محاصرة ليس فقط من طرف إسرائيل والغرب بل حتى من طرف غالبية الدول العربية بسبب اتهامها بدعم صدام حسين، و آنذاك كان الحصار سياسياً ومالياً حيث تم وقف كل أشكال التمويل حتى أصبحت المنظمة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها ومقاتليها، وفي المقابل وجهت دول عربية وخصوصاً الخليجية الدعم المالي والسياسي لحركة حماس.
2- لو افترضنا عدم دخول المنظمة وقواتها إلى الداخل بعد توقيع اتفاق أوسلو لتم الإجهاض على المنظمة وتلاشت قواتها ومؤسساتها بسبب الحصار المُشار اليه أعلاه، وخصوصاً أن البديل الأردني كان جاهزا كما أن إسرائيل وأطراف عربية أخرى كانت تشتغل لخلق قيادة للشعب الفلسطيني ذات توجهات إسلامية لتكون بديلا عن منظمة التحرير كمشروع وطني.
3- لو لم يكن مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 ما كان اتفاق أوسلو
مؤتمر مدريد للسلام كان بدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش وكان المؤتمر تحت عنوان البحث عن تسوية سياسية وسلام دائم بين العرب والإسرائيليين بينما كان هدفه الحقيقي جمع العرب والإسرائيليين على طاولة المفاوضات وهذا ما حدث لأول مرة والبحث عن اتفاقات سلام منفردة بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة وتجاوز منظمة التحرير كعنوان للشعب الفلسطيني، وحضرت المؤتمر كل الدول العربية ما عدا من لم يتم توجيه الدعوة لهم – عراق صدام حسين وليبيا القذافي- ولم يتم توجيه الدعوة لمنظمة التحرير وتم القبول بحضور فلسطيني رمزي ضمن الوفد الأردني. وبالتالي شعرت المنظمة أنه إن لم تتجاوب مع عملية التسوية السياسية فسيتم تجاوزها.
4- جاء توقيع اتفاق أوسلو بعد انهيار النظام الإقليمي العربي بعد غزو العراق للكويت وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي الذي كان يُعتبر حليفا للفلسطينيين، أيضا بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) التي أحيت في بدايتها القضية الفلسطينية وجعلتها محل اهتمام العالم ولكن أمور الانتفاضة آلت لحالة من الفوضى بسبب الصراعات والخلافات الداخلية وكان الأمر يحتاج لاستثمارها سياسيا قبل أن تسوء الأمور أكثر.
5- اتفاق أوسلو وفوضى الربيع العربي.
مع أنه سؤال افتراضي، إلا أننا نتساءل عما سيكون حال منظمة التحرير وقواتها التي كانت مبعثرة في تونس واليمن والعراق والسودان بعد إخراجها من لبنان عام 1982 وقبلها من الأردن 1970، لو داهمتها فوضى الربيع العربي وهي في الخارج؟ نعتقد أن دخول المنظمة ومؤسساتها وعناصرها إلى الأراضي الفلسطينية مع توقيع اتفاق أوسلو جنبها وجنب القضية خطر التصفية وهو خطر قد لا يقل عن المخاطر المترتبة عن اتفاق أوسلو.
6- اغتيال إسرائيل للرئيس أبو عمار وتدميرها لاحقاً مؤسسات السلطة والعمل على إضعافها يؤكد أن القيادة الفلسطينية ورئيسها أبو عمار لم يكن موقفهم في أوسلو موقفاً خيانياً كما اتهمهم البعض.
7- فصائل فلسطينية عملت بدورها على إفشال أوسلو واضعاف منظمة التحرير وسلطتها دون أن يكون عندها بديل عملي أو استراتيجية لتحرير فلسطين، وكانت حكومات إسرائيل توظف العمليات المسلحة التي كانت تقوم بها خصوصاً حركة حماس لتدمير كل ما تبنيه السلطة من مؤسسات و لإقناع الإسرائيليين والعالم بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام وما زالوا ملتزمين بهدف تدمير إسرائيل.
8- تتحمل الدول العربية والمنتظم الدولي مسؤولية عما آلت إليه الأمور من خلال تركهم الفلسطينيين لوحدهم يواجهون إسرائيل ومخططاتها وما جرى لاحقا من تطبيع عربي مع دولة الكيان.
9- كان من الممكن أن تكون خسائر توقيع اتفاقية أوسلو أقل فداحة وانجازات السلطة أفضل لو كان أداء السلطة مالياً وإدارياً أفضل ولو لم تبرز في السلطة والمنظمة طبقة سياسية انتهازية تهتم بمصالحها الخاصة ومصالح أجندة خارجية غير وطنية.
10- لم يكن الخلل في مبدأ التسوية السياسية بل في فن إدارة المفاوضات وفي غياب وحدة وطنية حول عملية السلام والهدف منها.
11- بالرغم من كل ما جرى ومع ما آل إليه أمر رافضي أوسلو ورافعي شعار (المقاومة بديل لأوسلو والتسوية السياسية) وما آل إليه الحال العربي والإقليمي فإن على الفلسطينيين عدم التخلي عن المطالبة بالسلام العادل حتى لا توظف إسرائيل ذلك وتحميلهم مسؤولية فشل التسوية السياسية، ولكن في نفس الوقت عدم التخلي عن حقهم في مقاومة الاحتلال بما لا يتعارض مع الشرعية الدولية وفي سياق استراتيجية وطنية، فلا تعارض بين السعي للسلام ومقاومة الاحتلال.
12- إن كانت مراهنة منظمة التحرير على اتفاق أوسلو فشلت فإن مراهنة إسرائيل لم تفشل، فما تعتبره المنظمة والشعب الفلسطيني فشلا تراه إسرائيل انتصارا، لأن ما يجري هو ما كانت تسعى له وتراهن عليه إسرائيل بمشاركتها في مؤتمر مدريد بداية ثم في توقيع اتفاقية أوسلو، ولم تكن إسرائيل تفكر أبدا في الانسحاب من كامل الضفة وغزة والسماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم وعاصمتها القدس، واتفاق أوسلو لم يذكر بتاتا كلمة دولة فلسطينية.
13- كان اتفاق أوسلو في البداية وكما كانت تريد إسرائيل تحت عنوان (غزة أولا) قبل أن يصبح (غزة وأريحا أولا) واليوم ومن خلال ما يجري في قطاع غزة ولقطاع غزة وبعد أن استقر الأمر لحماس في القطاع والتزامها بالهدنة وما يجري في الضفة من إضعاف للسلطة وتآكل صلاحياتها ومناطق نفوذها، يتأكد نجاح إسرائيل في تحقيق ما كانت تهدف له من توقيع اتفاق أوسلو حيث يبدو أن غزة ستكون أولا وأخيرا.
14- بعد تسع وعشرين سنة على توقيع اتفاق أوسلو والاعتراف بفشل الاتفاق في تحقيق السلام، لا قيادة منظمة التحرير قادرة على الغائه والتحرر من التزاماته وهذا ما تأكد مع عدم قدرتها /أو رغبتها على تنفيذ مقررات المجلس المركزي المطالبة بذلك، ولا الفصائل المعارضة للاتفاق تملك البديل الناجح لنهج أوسلو،