ما أحوجنا لهذا الفضاء، معرض فلسطين الدولي للكتاب هو ببساطة الفضاء الذي تحتاجه فلسطين.
تنظم وزارة الثقافة الفلسطينية المعرض الدولي للكتاب الـ ١٢، في الفترة ما بين ١٤-٢٤ أيلول الحالي، على أرض المكتبة الوطنية في محافظة رام الله والبيرة.
مسيرة ثقافية تراكمية بامتياز، تحت سقف واحد وانت تمشي عيونك تسقط على العناوين من الشعر الى التاريخ الى السياسة الى الفن الى الآداب التي تناسب البشر من الأطفال إلى كبار السن والشباب. وانت تتجول في المعرض، تشاهد العظماء من فلسطين، من الاردن، مصر، قطر، العراق، سوريا، اريتيريا، المغرب، السعودية، عُمان، لبنان، الكويت، الشارقة، ايطاليا، كندا وتونس الأبية، مشاركات مهمة من دور النشر من الاوطان العربية وبعض الغربية التي لا بد من توسيعها والبناء عليها لخلق فضاء عميق غني بثروة بشرية عربية غربية أبدية.
من السهل على البشر ان ترى السلبيات في كل مكان، المعرض سيجد الكثير من النقد، ليس بالضرورة البنّاء. أوجه من هذا المقام، كل الشكر والاحترام لوزارة الثقافة ولكل من عمل على تنظيم المعرض وإخراجه بإتقان ببهجة وبصورة أصيلة تحافظ على وطنية وإرث المكان.
المعرض مسيرة تراكمية، ومن الطبيعي أن يكون فيه متسع للتطوير ولهذا ضروري التقييم، ضروري تحقيق الاستدامة من خلال الاستثمار بكل ما حولنا من طاقات وطنية بشرية وطبيعية، ضروري إيجاد نقاط الضعف وأخذها بعين الاعتبار للسنوات القادمة، ضروري المراجعة الذاتية لالتقاط الفرص وتحويلها لنقاط قوة، ضروري وضع كتاب للملاحظات للزوار حتى تتمكن طواقم الوزارة من الاستفادة من التغذية الراجعة للجمهور لضمان معرض أكثر نجاحاً وشمولاً وقبولاً في العام القادم.
"إقرأ" فاتحة الرسالات السماوية, القراءة هي الأسلوب التقليدي القديم الحديث والمعاصر بكل المقاييس، وضروري توظيف التكنولوجيا في هذا الفضاء، هناك الثقافة هناك الفكر وهناك التاريخ ومستقبل البشرية، ضروري استخدام الأدوات الالكترونية التفاعلية في المعرض لأسباب البحث عن العناوين وأسماء الناشرين ولتسهيل عملية التوثيق والتقييم والتطوير والتغذية الراجعة بطريقة رقمية.
يتعلم المرء بطرق مختلفة ومنها المرئية والالكترونية والعصرية، ولكن القراءة هي ما يصقل مهارة الكتابة ومهارة التحليل والتدرج بالفكر لما هو فضل على البشرية. في ظل التطور السريع والأوضاع الراهنة من السلبيات والإرباك الذي نعيشه، للقراءة تماما كالرياضة فوائد منها تخفيف التوتر، تنشيط الذاكرة، تنمية العقل، تقوية مهارات التفكير التحليلي، وهي وسيلة للترفيه والمتعة مع زيادة التركيز وتقليل خطر الإصابة بالأمراض، فهي تعمل على تعزيز قدرة ووظائف الدماغ. وهذا هو تعريف النشوة الفكرية حيث يشعر القارئ بالتميز، بالإشباع وشيء من السيطرة على ما يدور حوله من الفوضى الوجودية.
القراءة هي عملية عقلية وتفاعلية، وتعتبر نشاطاً للحصول على المعلومات، وتحتاج القراءة إلى وجود مهارات داعمة مثل، مهارة الكتابة، والتحدث، والاستماع… مهارات تحتاجها كل الشعوب في سبيل الارتقاء والحضارة والإبداع. مهما كنت مشغولاً، لا بد ان تجد وقتاً للقراءة وإلا فأنت سلمت نفسك للجهل، اختياراً!
الحقيقة ان فلسطين بكل ما تملك من طاقات تفتقر للقراءة، كلامي هذا كلام حق يُراد به مصلحة وطنية وانسانية لهذا الشعب الصامد, معرض الكتاب الدولي يجسد خطوة أساسية في معالجة هذا التحدي.
سأشارك القارئ، كان لي تجربة وأنا طالبة جامعية غارقة في التخصص، بأن زرت داراً للنشر وسألت العامل هناك، انصحني ماذا أقرأ؟ أجابني، أي شيء!
أيقنت يومها، ليس المهم عنوان الكتاب، تعلمت حينها أنّ القراءة فعل خشوع، عبادة تفاضل بين الفقراء والاغنياء.
تعلمنا الحياة ان المكتبة ليست من كماليات الحياة، حتى نصبح أُمهات، ندرك أنه لا يحق لإنسان أن يربي أولاده بدون أن يحيطهم بالكتب, خاصة بوجود الشاشات والأجهزة الذكية، فهي سلاح وعدو أمام القراءة. علينا أن نربي جيلاً يدرك أن القراءة مثل النوم والطعام والشراب واللعب شيء يتكرر كلّ يوم.
تذكر دائماً أن القراءة في مجالك سوف تعطيك حداً أعلى للمنافسة في عملك، أما القراءة في المجالات الأخرى، هي من ستجعل منك نقطة الجذب في أي مقام أو لقاء. أكرر، القراءة عبادة ففيها منفعة للعباد, فحوى العبادة هنا ليس بالتميز ولكن بنشر المعرفة وإشباع الفضول الذهني لكل من هم حولك دون أجرٍ أو عناء. أوج السعادة الذي ينعكس في وجهي هو عندما أشعر أنني تعلمت شيئاً جديداً، أما أوج الرضى والراحة هو عندما أُنهي محاضرة ناجحة فيها مشاركة لكثير من المعارف المستندة لقراءات. لا بد لنا من خلق فضاءات التعلم ونشر المعرفة، بالتعاون مع الوزارات, دور النشر, المؤسسات, المكتبات, البلديات, المدارس المعاهد والجامعات لتكون جميعا متواجدة ومتكاملة وحاضرة, هذا ليس مجرد معرض كتاب, انما مظاهرة ثقافية نقطة ارتكازها الكتاب, لتشجيع القراءة والكتابة والطباعة والنشر لما سيكون لها من أهمية لإحضار العالم لفلسطين وتقديم فلسطين بابها وصورها للعالم من خلال الكتاب.
ضروري جداً أن يوفر المعرض مساحة لالتقاء الجميع، هذا مكان البقاء والتميز والوحدة، لا مجال للانقسام في هذا الفضاء.
كشعب يتوق للحرية، وجب علينا ان ندرك حقيقة ان من يتعلم القراءة يكون حرا إلى الأبد.
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.