كتب رئيس التحرير: أزمات كثيرة تعصِر فلسطين عصراً من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، فلا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى، فمن أزمة اقتصادية وارتفاع للأسعار، إلى مجتمعية إلى سياسية، أزمات بالجُملة!
كل هذه الأزمات المركبة تأتي في واقع فلسطيني استثنائي، فهي الدولة الوحيدة الخاضعة للاحتلال في القرن الحديث، ليجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة احتلال وكمشة من الأزمات التي تحتاج لحكومات عديدة لحلها.
مع كل هذا المشهد المظلم، يقف الفلسطيني متسائلاً: من سيواجه كل هذه المشاكل؟ السلطة؟ الحكومة؟ الفصائل؟ الاتحادات والنقابات؟ العشائر؟ مؤسسات المجتمع المدني؟
هؤلاء كلهم يلعبون أدواراً مختلفة في حل الإشكالات والمعضلات التي تواجه الفلسطينيين، لكن من الصعوبة بمكان تحديد مرجع يتوجه إليه المواطن عند مواجهة أي معضلة، بل إن كل من ذُكروا سابقاً يقفون أحياناً على دكة الاحتياط لا يحركون ساكناً، وأحياناً يلعبون دور المنتقد للواقع دون مد يد العون.
يتابع الفلسطينيون الإضرابات النقابية التي عصفت وتعصف بالشارع والمدارس والجامعات، وهي حق طبيعي للنقابات، لكن لا تجد أحداً يواجه أو يتحمل مسؤولية الخلل في عدم تفاوض أطراف الأزمة النقابية وإنهاء ملفها بأقل وقت وأقل تكلفة، وهنا نضرب مثال إضراب العاملين في جامعة بيرزيت الذي يستمر منذ أكثر من 40 يوماً دون تدخل وزارة التعليم العالي أو الحكومة أو الرئاسة، وكأن الطلاب ليسوا من الفلسطينيين، وكأن التعليم يمكن تعويضه، فهل يدرك المسؤولون حجم الضرر بسبب إضراب يوم واحد؟! بالتأكيد يُدركون ولكنهم غير معنيين!
في المقابل ورغم إقرارنا بوجود حقوق للعاملين، لكن هل درسوا التوقيت؟ وهل انتبهوا إلى أن الضفة الغربية تعج بجنازات الشهداء وصوت رصاص الاحتلال وتفجيرات بيوت المواطنين؟ وهل أدركوا أزمات الجامعة المالية؟ هذه أمور واجب على قيادات النقابات مراعاتها، والوقوف على حجم الضرر على أبنائهم الطلاب، سواء بخطة تعويض أو حتى وقف الإضراب في حال عجزت أو تعنتت الإدارة عن الوفاء بتلك المطالب.
الشارع الفلسطيني الذي يرى بعينيه حجم الاستهتار بحقوقه مُقصر أيضاً، فهل يُعقل أن أولياء أمور الطلبة والذين لا يقل عددهم عن 13 ألف طالب لا يستطيعون الضغط بقوة على أطراف النزاع؟ أو أن يخرجوا بمسيرة أو اعتصام للدفاع عن مستقبل أبنائهم؟! للضغط على الإدارة والعاملين والحكومة لسرعة معالجة تلك القضية والمطالبة بتعويض أبناءهم الذين التزموا بدفع أقساطهم؟
بعض النقابات فيها خلل كبير بسبب غياب الحياة الديمقراطية وغياب الوعي والمسوولية الوطنية، فتجد أن بعض النقابات المهنية مثلاً تدافع عن عضو منها ارتكب مخالفة مهنية فهل هذا مقبول؟ هل يُعقل مثلاً أن تحمي نقابة الأطباء طبيبا ارتكب خطأً طبياً بقصد؟ هل مقبول أن تدافع نقابة المهندسين عن مهندس غش في البناء وتسبب بانهيار عمارة وقتل من فيها؟ وهل مقبول أن تدافع نقابة العاملين في جامعة عن فصل مدرس قصر في أداء مهامه؟
على النقابات أن تحرص على وظيفتها الأساسية وهي حماية جودة المهنة التي تدافع عنها لصالح المواطن، هكذا تكون النقابة نقابة حرة ونزيهة عندما تواجه الخلل، سواء ضدها أو من بين أعضائها المنتسبين.
البلد فيها مواطن يسرق الشارع ويبني بيته أو عمارته على ارتداده، البلد فيها مواطن يُغلق الشارع لشراء دخانه، البلد فيها مواطن يغش في بضاعته ويخون مهنته، البلد فيها زعران يقودون دراجات نارية بأصوات وسرعات مزعجة وأحيانا مميتة، البلد فيها سقوط أخلاقي يتنافى مع عاداتنا وديننا، البلد فيها عملاء يعملوا ضد شعبهم، البلد فيها المسؤول يسرق ويعربد على العامة، البلد في حالة انعدام المراجع وغياب القانون، البلد في تراجع وانهيار القيم والأخلاق، البلد في حالة فوضى.
آن الأوان -وليس شعاراً- أن يمارس الشعب حياة ديمقراطية، وأن يكون له مجلس تشريعي ومؤسسات قوية خالية من الفساد، ومسؤولون (مسؤولون) عن شعبهم ويشعرون به.
نريد مسؤولين يشعرون أن كل شهيد يرتقي هو ابنهم، وأن أي طالب يتضرر تعليمه هو قطعة منهم، وكذلك نريد مواطناً واعياً بحقه، محافظاً على بلده.