رئيس حكومة الاحتلال الذي يبحث عن تجديد آماله بالفوز في الانتخابات المقبلة، لم يجد ما يضيفه إلى خطابه وسياساته المتطرفة سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي، وبالأخص الولايات المتحدة، بأمل الحصول على مساعدتها في التغلب على منافسه الشرس، بنيامين نتنياهو.
فاشلة محاولته، إبداء مرونة سياسية، بالحديث عن أن الحل الأفضل للتعاطي مع الصراع يكمن في "حل الدولتين"، ذلك أن خطابه العابر من على منبر الأمم المتحدة يتناقض كلياً مع أفعال وممارسات حكومته على أرض الواقع.
الحديث عن "رؤية الدولتين"، باعتباره الأفضل هو محاولة للتقرب من الإدارة الأميركية، التي يرضيها مثل هذا الخطاب، الذي غاب طويلاً عن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.
خطابه الخارجي الذي لم يترك أثراً على حضور الجمعية العامة، نسفه بخطابٍ داخلي للجمهور الإسرائيلي، قال فيه: إن مثل هذه الدولة ربما تجد فرصة عند الجيل القادم، أو ربما جيل الأحفاد.
نتنياهو كان قد اتخذ من الجملة العابرة التي وردت على لسان لابيد، فرصة لشن هجومٍ على رئيس الحكومة، ولكنه في الوقت ذاته يقدم دليلاً آخر على ماهية السياسة الإسرائيلية، التي يقودها نتنياهو وفريقه اليميني المتطرّف.
أخذ نتنياهو على لابيد أنه أعاد إحياء الموتى بعد أن دفنتها السياسة الإسرائيلية منذ بعض الوقت، سواء ما يتصل باتفاقية أوسلو، أو بـ"حل الدولتين" وإقامة دولة فلسطينية، كان قد حكم عليها مسبقاً على أنها ستكون دولة إرهابية.
بازار الانتخابات الإسرائيلية لا يزال يشهد على أن الموضوع الفلسطيني سواء بالدم، أو بالحلول السياسية هو السُلَّم الأفضل لنيل المقاعد والمكاسب عند جمهور إسرائيلي يزداد تطرّفاً.
مرتبك ومحيّر خطاب لابيد، ففي استطلاع رأي جرى مؤخراً، خلال مساجلاته مع نتنياهو، ظهر أن 32% فقط من الإسرائيليين يؤيدون "حل الدولتين"، لكن النتائج أظهرت، أيضاً، أن نتنياهو هو الذي سيشكل الحكومة المقبلة حيث توقع الاستطلاع أن يحصل تحالفه على واحد وستين مقعداً.
وإذا كان من غير المتوقع أن يُسلّم لابيد وتحالفه، بهذه النتائج فإن عليه، أن يصعّد من إرهابه وعدواناته على الفلسطينيين.
في أجواء الاستنفار الإسرائيلي الشامل، بحجج منع وقوع عمليات خلال فترة الأعياد، وهي فترة طويلة تمتد لنحو ثلاثة أسابيع أقدم لابيد على إغلاق الأراضي المحتلة، والسماح للمستوطنين المتطرّفين باقتحام المسجد الأقصى، وإقامة طقوسهم الدينية كما يريدون حتى لو أدى ذلك إلى استفزاز الفلسطينيين، وبما قد يؤدي إلى انفجار الوضع.
يعتقد لابيد أن محاولة إغراء قطاع غزة، بمزيد من التسهيلات والدعم الاقتصادي، ودعم مسيرة إعادة الإعمار، قد يؤدي إلى تحييد المقاومة والتغاضي عمّا تقوم به قواته في القدس وجنين ونابلس.
الخطاب ذاته يشمل الضفة الغربية، كتعبير عن سياسة "السلام الاقتصادي"، هذه السياسة التي تلتقي عندها كافة التيارات والأحزاب السياسية الإسرائيلية، لا يُعفى من ذلك بعض هذه الأحزاب الهامشية التي تفضل الصمت.
تحاول حكومة الاحتلال الفصل بين الفصائل في غزة، والمقاومة في الضفة، ففي حين تقدم مبادرة بتحسين أوضاع غزة، مقابل أن تلقي المقاومة سلاحها في الأرض، تحرض عليها في الضفة الغربية لإحداث وقيعة بين فصائل المقاومة والسلطة الوطنية الفلسطينية.
ما يجري في جنين منذ الثلاثاء المنصرم، يأتي في سياق ارتفاع مؤشّرات التطرّف، لجمع المزيد من الأوراق التي تساعد على تحسين فرص أقطاب حكومة لابيد.
من دون أسباب مباشرة، تشن إسرائيل حملة عسكرية واسعة ضد جنين ومخيمها بدعوى اعتقال مطلوبين، لكن حجم الحملة وطبيعة الآليات المستخدمة، لا تشير إلى مثل هذا الهدف المحدود.
تجنّد إسرائيل أكثر من ثلاثين آلية، ومئات الجنود، والطائرات المسيّرة، وتستخدم الصواريخ لتدمير منزل ما تقول إنه أحد المطلوبين ويسقط ثلاثة شهداء، وأكثر من ثلاثين جريحاً حتى لحظة كتابة هذا المقال، وتقول إسرائيل إن العملية محدودة.
من الواضح أن إسرائيل، لا تجد ضرورة حتى الآن في أن تشنّ هجوماً واسعاً على الضفة، خصوصاً على نابلس وجنين، ما يعني إعادة احتلال الضفة كما حصل خلال "حملة السور الواقي" العام 2002، لأن ذلك قد ينطوي على مغامرة ترتد نتائجها على الحكومة ومكوّناتها، لذلك تستعيض إسرائيل عن هذه الحملة الواسعة، من خلال هجمات متكرّرة، للاعتقال والقتل والتدمير، عبر ما تسمّيه "حملة كاسر الأمواج" التي بدأتها قبل ستة أشهر.
"كاسر الأمواج"، لم تؤد إلى تهدئة الأمواج، وإنما قوبلت من قبل الفلسطينيين بازدياد ظاهرة استخدام السلاح في العمليات، حتى كادت تصبح يومية.
في الوقت الذي تشن قوات الاحتلال هجومها الوحشي على جنين، وربما تنتقل بعد أيام قليلة إلى نابلس، فإن قوات الاحتلال تستهدف، أيضاً، التغطية على ما يقوم به المستوطنون في القدس، التي قد يكون ما يجري على ساحتها سبباً في تفجير الأوضاع.
الأعياد لا تزال مستمرة والأصعب من الاحتفالات اليهودية لم يأتِ بعد، ولذلك من المتوقع أن تتصاعد الاقتحامات والطقوس المسيئة في القدس، بما سيضع المقاومة أمام اختبار، ويضع لابيد وإغراءاته أمام اختبار عسير، أيضاً.
بعد كل ما يجري من العبث أن تستبعد إسرائيل وقوع عمليات حتى في أراضي 1948، فضلاً عن الضفة والقدس، فلكلّ فعلٍ ردُّ فعلٍ مساوٍ له في الوزنِ ومعاكسٌ في الاتجاه.