من حق المملكة المتحدة أن تحدد علاقاتها مع حكومات العالم وحركاته، ولكن تأتي نية رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة ليز تراس لنقل السفارة الى القدس بشكل غير مبرر بعد ان عبرت عن هذه النية خلال لقائها رئيس وزراء دولة الاحتلال يائير لابيد على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك. اتخاذ بريطانيا هذا المنحى ليس مفاجئًا ولكنه مُؤسف ومخالف للقانون الدولي، سبق ان اتخذت المملكة عدة قرارات مُجحفة بحق الفلسطينين، نذكر منها:
ملف وعد بلفور ..
الشهر القادم، يوافق ذكرى وعد بلفور، ١٩١٧/١١/٢ ، ذكرى مرور ١٠٥ أعوام. حيث أعطى من لا يملك حقاً لمن لا يستحق. طالب الفلسطينيون الحكومة البريطانية باعتذار ولم يُستجاب لطلبنا، علينا أن نكرر الطلب مراراً وعلينا مطالبة بريطانيا بالاعتذار والاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما علينا مخاطبة بريطانيا رسمياً ومطالبتها بالرجوع عن وعدها لرئيس الوزراء الاسرائيلي بخصوص القدس.
يجب ألا نغفل أن وعد بلفور تضمن وعداً آخر بأن لا يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، وهذا كلام خطير جداً ويعكس ما نواجهه الْيَوْم من عنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، حيث تنظر دولة الاحتلال الْيَوْم لنا فعلاً كأقليات غير يهودية وتوجت سياساتها وممارساتها العنصرية من خلال قانون القومية الأخير، فالسياسات العنصرية واضحة ضد كل من هو ليس يهودياً! الحديث عن نقل السفارة الى القدس هو أكبر دليل على أن بريطانيا تنظر للشعب الفلسطيني كطوائف وكأقليات وليس كشعب يتمتع بحق تقرير المصير وتتغنى بتوفير خدمات مدنية ودينية لتُخفي حقيقتها العنصرية.
قرار ترامب المتعلق بالقدس وما تبعه من سياسات عنصرية وإلغاء الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني والتهجير القسري هي أساساً امتداد لوعد بلفور العنصري الذي أسس للدولة الإسرائيلية لليهود والذي منذ مئة عام اعتبر كل من هو ليس يهودياً كأقلية لا تتمتع بالحقوق الكاملة كالمواطن اليهودي.
ملف المحكمة الجنائية الدولية ..
رفضت المملكة المتحدة إعلان المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم حرب التي ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضت اعتبار الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن اختصاص المحكمة. الأجدر بالمملكة المتحدة احترام عمل وولاية واستقلالية المحكمة الجنائية الدولية لضمان تحقيق عادل ضد أي من يرتكب جرائم خاصة انه منذ 12 فبراير 2021، تم انتخاب كريم خان البريطاني الجنسية رئيسًا للادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية.
ملف حماس ..
قامت المملكة المتحدة بوسم حماس بـ "الإرهاب"، وهذا لن يخدم الاستقرار في المنطقة، بل سيشتت الجهود لأي تقدم باتجاه المصالحة والسلام وبناء الثقة. كان الأجدر ببريطانيا ان تتعلم من تجربتها في شمال أيرلندا، حيث أنها وبهدف الوصول لاتفاقية "الجمعة العظيمة" وتحقيق نتيجة غير صفرية، تبنت عملية مفاوضات ضمت كافة الحركات وممثلي الشعب حتى حركة الشين فين وجناحها العسكري المتمثل بالجيش الجمهوري الايرلندي برغم اعتباره "ارهابي"، كان الأجدر بالمملكة المتحدة النظر في عملية أكثر شمولاً لـخدمة الاستقرار السياسي وعملية السلام في الشرق الاوسط.
الأجدر بالمملكة المتحدة اليوم احتراماً لشعوبها ومكانتها السياسية الدولية أن تطبق التزاماتها الاخلاقية بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني بدلاً من تشتيت الجهود والضياع في تفاصيل، على بريطانيا الاعتذار عن وعد بلفور، على بريطانيا مباشرة العمل لإنهاء الاحتلال، على بريطانيا الاعتراف بالدولة الفلسطينية وترسيم حدود دولة الاحتلال، على بريطانيا احترام التزاماتها القانونية (أي قرار لنقل السفارة يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي التي تضمن حق الفلسطينيين في أراضي عام 1967 والقدس الشرقية: 242 ، 253 ، 267 ، 298 ، 476 ، 478 ، 2334) على بريطانيا عدم إعاقة عمل المحكمة الجنائية الدولية الكفيلة بتعريف المجرمين والإرهابيين ومحاسبتهم، على بريطانيا المحافظة على الوضع القانوني التاريخي للقدس وإبقاء القنصلية العامة البريطانية في القدس.
– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.