الأحداث تتسارع على مسرح السياسة الدولية نتيجة الحرب بين روسيا والغرب بقيادة أمريكا ‏على أرض أوكرانيا، والتي تقف اليوم على أبواب مرحلة جديدة بعد اعلان الرئيس الروسي ‏بوتين عن ضم أربعة أقاليم اوكرانية لروسيا، وإعلان الرئيس الاوكراني زيلنسكي عن التقدم ‏بطلب لتسريع انضمام بلاده لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، وإعلان الرئيس الأمريكي جو ‏بايدن بأن على بوتين أن يفهم معنى قول أمريكا بأنها ستدافع عن حلفائها، وهي إشارة يجب ‏أن يُفهم منها تقدم أمريكا خطوات نحو المشاركة المباشرة في الحرب ، بعد أن كانت الحرب ‏تُدار بالوكالة من قبل زيلنسكي الذي حول المواجهة بين بلاده وبين روسيا الى مواجهة بين ‏الدول الغربية بقيادة أمريكا ضد روسيا، تقوم فيها أوكرانيا بتقديم المقاتلين واستقبال ‏المرتزقة بينما يقوم الغرب بتزويد أوكرانيا بالسلاح والمال وبسخاء ليس له حدود.‏
‏ وهذه الحرب وإن كانت تدور في هذه المرحلة بالأسلحة التقليدية فإن اقتراب أي من ‏العملاقين من نقطة الانكسار أي الهزيمة ستضطره الى استخدام الأسلحة النووية بكل ما ‏يعنيه ذلك من خطر الدمار الشامل الذي سوف لا يتوقف عند حدود الدول المتحاربة.‏
في هذه الأجواء المتكدرة الملبدة بالغيوم وفي ظل التطورات المتسارعة على الساحة الدولية ‏فإن علينا أن ندرك بأن العالم مشغول عنا ولن يتفرغ للنظر الينا أو الى قضيتنا طالما أن ‏هناك قضية أكبر تهدد مصالح الدول العظمى وتضعها على مفترق طرق هو الأخطر منذ ‏الحرب العالمية الثانية.‏
وانشغال العالم بنفسه وبقضاياه يؤدي تلقائيا الى تهميش قضيتنا من جهة والى إعطاء ‏إسرائيل مساحة من الزمن ومن فرص العمل لتنفيذ سياساتها التي ربما لم تكن تستطيع ‏تنفيذها لو كان العالم متفرغ للنظر صوب منطقتنا. فنحن أيضا ً نقف على أعتاب مرحلة هي ‏الأخطر ربما منذ نكبة 1948.‏
والذي يدعو للقلق هو أن النظر نحو ما يجري على الساحة الداخلية الفلسطينية يُعطي ‏الانطباع بأن كل شيء يسير وكأن لا شيء يجري من حولنا، وأن ما يدور على الساحة ‏الدولية من تطورات في غاية الخطورة لا يؤخذ بالاهتمام الكافي في تحديد سلوكنا وخطواتنا ‏المستقبلية. فالقيادة والحكومة تتصرف على الصعيد الداخلي وكأن الأمور طبيعية وكأنها ‏دولة بكل معنى الدولة، مع أنه تم ويتم هدم كل الأسس التي يمكن أن تقوم عليها الدولة. ‏
وهي تعقد المؤتمرات الدولية التي تتحدث عن الحكم الرشيد وسيادة حكم القانون وتحقيق ‏العدالة وهي أبعد ما تكون عن الحكم الرشيد وسيادة حكم القانون بعد أن طمست الحدود ‏الفاصلة بين السلطات الثلاث وألغت وجود السلطة التشريعية بعد أن تم الغاء المجلس ‏التشريعي وتحولت الحكومة الى ناد للهواة كلما خطر ببال أحد من أعضائها التقدم بقانون ‏وضع ما يحلو له وتقدم به للحكومة ليصدر فيما بعد بشكل مرسوم بقانون. ‏
وليس هذا فحسب بل وفي ظل هذا الخراب الدستوري السائد يدور صراع خفي حول ما يسمى ‏ب "الخلافة" وكأننا نعيش في مملكة مستقرة مترفه لم يبق أمام أبناء العائلة الحاكمة فيها ‏سوى الصراع على العرش!‏
لقد عبر الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم الجمعة ‏الثالث والعشرين من أيلول الماضي عن حالة الضجر والغضب والإحباط الذي يحس به كل ‏واحد من أبناء شعبه، وقدم وصفا ً عميقا للسياسة الإسرائيلية وممارساتها في الأراضي ‏المحتلة، مؤكدا ً أن إسرائيل قامت بتدمير حل الدولتين وتتصرف كدولة احتلال وأن الجانب ‏الفلسطيني سيتعامل معها على هذا الأساس! ومع أن التعامل مع الاحتلال على أساس أنه ‏احتلال يقتضي بديهيا ً تبني منهج مقاومة الاحتلال وهي حق مشروع حسب ميثاق الأمم ‏المتحدة إلا أن الرئيس وبشكل استدراكي أكد بأنه لن يلجأ للعنف ولا للإرهاب، ولم يعلن في ‏نفس الوقت وبشكل واضح عن تبني منهج المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال.‏
‏ ومع ذلك فإنه لا بد من الاعتراف بأهمية تأكيد عدم اللجوء للعنف أو القوة، اذا افترضنا أنه ‏ورد في اطار فهم شامل للمعطيات الدولية وأجواء الحرب الكونية التي تدق الأبواب وأريد ‏منه تفويت الفرصة على إسرائيل كي لا تستغل ذلك للقيام بخطوات متطرفة لا تجرؤ على ‏القيام بها في ظل أجواء دولية اعتيادية.‏
الأيام القادمة حبلى بالأحداث المصيرية سواء على صعيد القضية الوطنية أو على صعيد ‏الفرد الفلسطيني. ومواجهة هذه الأحداث لا تحتمل أن تظل حالة العبث والاستفراد في السلطة ‏والصراع على المناصب والألقاب قائمة والبيت يحترق من الداخل، والعالم يتسارع نحو ‏الهاوية.‏
‏ وعلينا أن نتفق بأنه لا يجوز لفرد أيا ً كان، حتى لو قيل أنه "قائد بحجم وطن"، كما لا ‏يجوز لأي فصيل أو طرف سياسي واحد أن ينفرد في اتخاذ القرار المصيري الذي يتعلق بكل ‏أبناء شعبنا وقضيتهم وحقوقهم الفردية والجماعية. فنحن اليوم بأمس الحاجة الى قيادة ‏وطنية تشمل الكل الفلسطيني لتتحمل المسؤولية الجماعية لاتخاذ القرار الصعب الذي ‏ستفرضه علينا سواء تطورات علاقتنا مع الاحتلال أو تطورات الإقليم أو ما يحدث على ‏الساحة الدولية. واذا لم يُدرك الجميع الأخطار المحدقة بنا من كل جانب ولم يرتفع الى ‏مستوى المسؤولية فوق كل الاعتبارات الشخصية والفصائلية الضيقة فإن الخطر القادم لن ‏يستثني أحدا ً ولن ينفع الندم بعد فوات الأوان. ‏