لا يبدو بأن الهدف أو الشعار الذي رفعته الجزائر للقمة العربية المزمع عقدها في عاصمة بلد المليون شهيد، وهو لم شمل العرب، سهل، أو في متناول اليد، أو حتى ممكن التحقق، بالنظر الى الواقع العربي وعلى كل المستويات الرسمية والشعبية، ورغم أنه أقل سوءاً مما كان عليه قبل عقد من السنوات، حين احتدمت الانقسامات العربية على وقع ما سمي «بالربيع العربي»، إلا أن التوافق العربي السياسي في العديد من الملفات الإقليمية والدولية ما زال غير قائم، فما زال العرب منقسمين تجاه العلاقة مع معظم دول الجوار: إيران، تركيا واسرائيل، وكذلك هم منقسمون في مستوى علاقاتهم الدولية، خاصة تجاه مثلث القوة العالمي، ما بين واشنطن وموسكو وبكين.
والجزائر التي تؤيدها وتدعهما جامعة الدول العربية في محاولتها لم شمل العرب، تستند في محاولتها الصعبة الى إرثها لدى عموم العرب، فهي دولة إضافة الى رصيدها من الكفاح الوطني، تعتبر دولة متوازنة في علاقاتها ومواقفها، وحتى علاقتها مع المغرب التي لا تخلو من برود بحكم الجيرة، وبسبب تأييد الجزائر المبدئي لحق تقرير المصير لشعب الصحراء، لم تقلل من مكانة الجزائر المرموقة على الصعيد العربي، والجزائر ما زالت من الدول القليلة التي تتحكم في بوصلة سياساتها الخارجية القيم والمبادئ أكثر من اعتبار المصالح، وقد اتفقت الجزائر مع الجامعة العربية على ترجمة شعار أو هدف لم الشمل العربي، بدعوة سورية للمشاركة في قمتها، وهذه هي الخطوة الناقصة منذ أكثر من قمة سابقة، بعد أن هدأ ضجيج الحرب الداخلية في سورية.  
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن للجزائر مكانة لا تضاهيها دولة عربية أخرى، ذلك أن الجزائر ما زالت ترى في فلسطين صورتها التي كانت عليها إبان سنوات حرب التحرير الوطنية، ويعتبر الجزائريون استقلال فلسطين أهم أمنيتاهم، وفلسطين تحتفظ للجزائر بأجمل اللحظات في تاريخ ثورتها المعاصرة، فعلى أرضها أعلن الراحل أبو عمار استقلال فلسطين في العام 1988، بعد أن كانت الجزائر العاصمة احتضنت دورة المجلس الوطني التوحيدية الثامنة عشرة في نيسان عام 1987.
تحتفظ فلسطين إذاً للجزائر بالذكرى الطيبة، فيما الجزائر تظل تأمل وتتمنى كل الخير لفلسطين، وليس هناك خير على طريق حرية فلسطين واستقلالها أكثر من إعادة لحمتها الداخلية، بوحدة شقي الوطن، وقطبي العمل الوطني، فتح وحماس، لذا فإن الجزائر رأت محاولة انهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني المدخل للولوج في مسار لم الشمل العربي، وحيث أن عقد القمة العربية سيكون في الشهر القادم، فإن اجتماع الفصائل الفلسطينية اليوم في الجزائر، يضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما يسعى الى تحقيق الهدف الغالي المتمثل بانهاء الانقسام الفلسطيني، ومن ثم الذهاب للهدف الأغلى المتمثل بلم الشمل العربي، والذي يمكنه برعاية الجزائر التي ستظل رئيساً للقمة طوال عام كامل، أن يشكل حائط الإسناد القوي للكفاح الوطني الفلسطيني كما كان على سابق عهده، قبل أن تتهاوى أعمدته، في العراق وسورية.
والحقيقة أن الجزائر لم تفكر بالسعي الى إنهاء الانقسام الفلسطيني، عشية القمة العربية فقط، بل هي ومنذ مطلع العام الحالي تحاول بهدوء ودون صخب أو ضجيج، أن تعيد الحياة في هذا المسعى، بعد أن توقفت محاولات أكثر من عاصمة عربية، اكتفت أهمها على هذا الصعيد، نقصد القاهرة والدوحة، الأولى برعاية الهدوء على جبهة غزة، حيث تسارع الى التدخل بين حماس والجهاد من جهة وإسرائيل من جهة أخرى كلما اشتعلت الحرب على تلك الجبهة، والثانية بمتابعة مد غزة بالمحلول الذي يبقيها على قيد الحياة، نقصد بضعة ملايين الدولارات التي تمنحها الدوحة لغزة شهرياً، وكأن انهاء الانقسام صار خطاً أحمر بالنسبة لإسرائيل، لا يمكن لدول تربطها علاقات خاصة أو طبيعية معها أن تتجاوزه!
الجزائر وحدها تقريباً تدخل أصابع يديها العشرة في عش الدبابير الإسرائيلي، وقد اتضح هذا أولاً فيما يخص ملف التطبيع، وثانياً، حين حاولت إسرائيل اختراق الاتحاد الإفريقي وقنص عضويته المراقبة، ورغم موافقة بعض الدول العربية الافريقية التزاماً منها باتفاقيات ابراهام سيئة الصيت والسمعة، إلا أن الجزائر تصدت للمهمة بنجاح، توّج بإغلاق الباب الإفريقي أمام الاقتحام الإسرائيلي.  
ومجرد أن تعيد الجزائر إحياء ملف انهاء الانقسام، يعتبر ذلك نصف تحقيق للهدف المنشود، وذلك لأن المحاولة تجيء في لحظة صعبة هي أقرب لليأس، في ظل صراع دولي محموم، وتداعيات إقليمية، خاصة بعد التقدم الإسرائيلي على صعيد التطبيع، وبعد خمسة عشر عاما بالتمام والكمال من وقوع حالة الانقسام، بحيث صار الواقع الفلسطيني وكأنه قد تكيف مع تلك الحالة!  
وفي حقيقة الأمر، ورغم أن الجزائر من جهة، كذلك الوفود الفلسطينية من جهة ثانية، لا تعلن عما تم تحقيقه خلال هذا العام من تقدم على صعيد هذا الملف، رغم استضافة الجزائر لكل من الرئيس محمود عباس واسماعيل هنية قبل وقت، على هامش احتفالاتها بعيد استقلالها، إلا أن سعي الجزائر لإنهاء الانقسام، في الوقت الذي يمكن القول فيه بأنه من باب النوايا الحسنة، أي أن أحداً لا يبدي التفاؤل الكافي بالنجاح فعلاً في إعلان البشرى السارة للشعب الفلسطيني، لكن على ما يبدو أن الجزائر لم تحاول العودة للماضي، والاستناد الى الاتفاقيات التي تم التوصل لها من قبل، أما الوفود نفسها فإنها لا تعلن سوى عن أنها تذهب للجزائر بالنوايا الحسنة والرغبة الجادة في انهاء الانقسام.  
أربعة عشر فصيلاً تلتقي اليوم في الجزائر، لمناقشة ورقة  الجزائر الخاصة والتي أعدتها العاصمة العربية بعد لقاءاتها السابقة مع ممثلي الفصائل الفلسطينية. من جهته تحدث وفد حماس عن رؤى، تعطي الأولوية لإعادة بناء النظام السياسي ممثلاً بمنظمة التحرير، على اعتبار أنه سبق لطرفي المعادلة الداخلية أن اتفقا على حكومة وحدة ونظام انتخابات المجلس التشريعي، دون أن يكلل الأمر بالنجاح، أما وفد فتح فقد قال بأن لديه ورقة تبدأ بتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي هذا الانقسام من خلال توحيد مؤسسات السلطة الوطنية والذهاب بعد ذلك إلى انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني على أن يتوفر الأمر في المدينة المقدسة، وأن ينتخب الناخب المقدسي في المدينة المقدسة، أما وفد الجبهة الديمقراطية فقد تحدث عن خطة من مرحلتين؛ انتقالية تتضمن وقف التراشق الإعلامي والاعتقالات السياسية، بما يعني بأن رؤية الديمقراطية قديمة، ومرحلة تالية تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات، أي أنه ليس هناك من أفكار جديدة لدى الفصائل، لذا فإن كل الأهمية تكمن في الورقة الجزائرية نفسها، ومن ثم في محاولة الجزائر توظيف اللحظة الخانقة للكل الفلسطيني، حتى تضغط على الجميع لإعلان يعتبر الثاني في أهميته بعد إعلان الاستقلال عام 1988.