ان لم تحدث مفاجأة الساعات الأخيرة يبدو ان لبنان في طريقه الى توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، للإفادة من الغاز المنتظر ان يساعد استخراجه في انقاذ لبنان من ازمته الكبرى التي ما مر عليه مثلها منذ تأسيسه... لم يحدث ان احتاج المواطن اللبناني للخبز الذي لا حياة للإنسان من دونه.
اظهر لبنان المثخن بالجراح والاجندات المتصارعة مرونة ملفتة في مفاوضاته غير المباشرة مع الإسرائيليين، والأكثر من مباشرة مع الأمريكيين الى جانب مفاوضاته البينية اللبنانية اللبنانية، ذلك على قاعدة "الاحتياجات ام المبادرات" ولا يجوز القول التنازلات، ذلك ان لبنان اخذ الكثير مما له تاركا الكثير مما تبقى للزمن، ذلك ان ترسيم الحدود البحرية ليس كل شيء، وما بقي بين لبنان وإسرائيل هو امتداد لما بقي بين إسرائيل والفلسطينيين ومعظم العرب، وهذا البعد في القضية الكبرى لم يجد حلا بل لم يُلتفت اليه في زمن تجزئة القضايا والمصالح مهما بدا ارتباطها وثيقا وحتى مصيريا.
اغلاق ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل وبجهد امريكي مواظب وفعّال، يفتح شهيتنا بل ويلح علينا نحن الفلسطينيين كي نفتح ملفاتنا مع إسرائيل فنحن شركاء اصليين في البحر والبر والجو، وشركاء متماثلين في الحاجة والحقوق، وضحايا لما سلب منا وحرّم علينا سوى ان في لبنان دولة وفي فلسطين لا.
بكل اخلاص وصدق نتمنى للبنان ان يحصل على كل ما يصبو اليه ونسعد بما يسعده، فهو على نحو ما توأمنا في المعاناة من إسرائيل وهو من اكثر بلدان العالم احتضانا للاجئين الفلسطينيين قبل ان يتفوق عليهم السوريون، وهو من دفع الكثير الكثير في حروبنا، ومن كان لوجود ثورتنا على ارضه وبين شعبه الفضل الذي ابقى قضيتنا وحركة تحررنا على قيد الحياة والدخول في المعادلات.
من حقنا منطقيا ان نتخذ مما حدث مع لبنان نموذجا لا يذكر ببعض حقوقنا فقط، بل وبحتمية حصولنا عليها، فنحن لا نفتقد غازا في أعماق بحرنا، ولا نحرم من اصطياد السمك في البحر الملاصق لشواطئنا، ولا نفتقد الحد الأدنى من حرية الحركة لمواطنينا داخل وطنهم، ولا نفتقد امانا لأطفالنا الذي يذهبون الى المدارس وبعضهم لا يعود الى البيت، نحن نفتقد ذلك كله وفوقه وطن ومصير.
نبارك للبنان قبل حقل الغاز اجماع شعبه على هذا الإنجاز الذي مهما بدا مهما يظل جزئيا حتى الان، ويحتاج الى جهد جماعي للحفاظ عليه، نبارك للشعب اللبناني الذي جسد نموذجا حضاريا مميزا رغم كل ما مر به من حروب، لعله هذه المرة يضع قدمه على اول الطريق الصحيح لاستعادة القه وتميزه وموقعه، ونقول لإسرائيل اذا طويت صفحة من كتاب صراعك في المنطقة ومعها فلن يجدي لا لك ولا للمنطقة الا ان تطوى الصفحة الأهم التي هي بالضبط نهاية الاحتلال وولادة دولة فلسطين المستقلة، وحل قضية اللاجئين المعني بها لبنان قدر عنايتنا بها، ليس نحن الفلسطينيين والعرب وحدنا من يقول ذلك ولنقرأ خلاصة تقرير نشرته امس الصحيفة الاوسع انتشارا في إسرائيل يديعوت احرونوت، وانا اقتبس ما ورد فيه حرفيا...
" يتوجب الادراك ان موجة العنف الحالية تختلف عن موجات العنف السابقة ولهذا يتوجب التفكير بأسلوب جديد لمواجهتا، كما يتوجب الاعتراف بحقيقة ان الإصرار على استمرار السيطرة على 2.6 مليون فلسطيني يؤدي ليس فقط الى استمرار موجات العنف، بل الى زيادة حدتها ومن المؤسف كما تقول يديعوت ان يؤدي استمرار عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، طوال اربع سنوات الى منع العمل على التوصل لتسوية طويلة الأمد مع الفلسطينيين".
مرة أخرى طويت صفحة مهمة، ولكن سيظل الخطر ماثلا اذا بقي الملف على حاله.