لقد أصبحت الضفة الغربية عنوانا رئيسيا في مواجهة محتدمة مع الأحتلال الإسرائيلي،وذلك بعد سنوات من الركود المشوب بالحذر ويرافقه صمود،ونستطيع أن نؤخر لبداية هذه المواجهة منذ شهر أيار/مايو 2021،فقد بدأت الأشتباكات المسلحة من جنين،ومن ثم أنتقلت إلى مناطق اخرى،وبدأ الفلسطينيين يتحدثون عن ثقافة الاشتباك وتنسب هذه الثقافة للشهيد جميل العموري،وتعززت هذه الثقافة وتوطدت قواعدها وتكرست حقيقة على الأرض كما في حالة الاستشهاد التراجيدية للشهيد ابراهيم النابلسي الذي تحول الى بطل حقيقي في الوجدان الفلسطيني وكانت آخر وصاياه بأن (لا تتركوا البندقية) ،وباتت ظاهرة المقاومة تتسع أكثر فأكثر،لدرجة أنها أصبحت ظاهرة حقيقية وجرى أستنساخها في أماكن متعددة في الضفة الغربية،واهم ميزاتها الوحدة وغياب الاختلافات والخلافات في التفاصيل،ورفعت سقف الوعي النضالي،وجرت في سياقات قدرة الشعب الفلسطيني على ابتكار أدواته وأساليبه في كل مرحلة من المراحل.

ولعل من أهم أسباب هذه المواجهة المتدحرجة ككرة اللهب،هو أنها جاءت بعد هبات وموجات الأنتفاضة في القدس وبقية الضفة الغربية،وأدت إلى أندلاع معركة سيف القدس،كما أن ضعف السلطة الفلسطينية وانسداد أفق مشروعها السياسي المتهاوي وارتطامه بحائط الصد،وعدم تبنيها لمشروع جديد،وتآكل شرعيتها بسبب تأجيل الأنتخابات،وزيادة هجوم الاحتلال وتصاعد عدوانه بكافة الاشكال،والأقتحامات اليومية للمناطق الفلسطينية،ودخول الاحتلال في سباق مع الزمن لفرض المزيد من الحقائق على الأرض.

الأحتلال الإسرائيلي ينتهج سياسة(جز العشب) تجاه المقاومة الفلسطينية المتصاعدة،في محاولة يائسة للحيلولة دون استكمال المقاومة لتنظيم نفسها ورص صفوفها،والعمليات الفدائية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية سواء في جنين أو نابلس أو القدس ،فاقمت من مأزق ومخاوف الاحتلال من انطلاق موجة جديدة من العمليات الفدائية أكثر شراسة وأوسع نطاقا،ولا تستطيع أجهزة أمن الاحتلال التنبؤ بها،وبالنظر إلى الفئات العمرية من بين الذين نفذوا عمليات فدائية،نجد پأنها من الفئات العمرية الصغيرة،الامر الذي يدلل بأن المقاومة والأنتماء لفلسطين لا يمكن محوها من الضمير الفلسطيني،ومن الصعب على دولة الاحتلال وأجهزتها الأمنية الوصول إلى معلومات تفصيلية تمنع تشكيل هذه الخلايا،او تحول دون تنفيذها  عمليات أصابت جوهر المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية،وهشمت نظرية التفوق الأمني الصهيوني التي تتيح للمستوطنين حرية التنقل في الضفة الغربية،وبددت نظرية الردع التي لطالما اعتمد عليها جيش الاحتلال في ممارسة ارهابه،خاصة وأن تلك العمليات الفدائية قد اتسمت بتخطيط متقن ووفرت انسحاب آمن للفدائيين بعد تنفيذ العملية،وهنا تثور عدة تساؤلات:هل تحضر  دولة الاحتلال لعملية واسعة في الضفة الغربية للقضاء على المقاومة؟وهل سيتم  القضاء على هذه الثورة المتدحرجة سياسيا عبر المطابخ السياسية السوداء ؟

 في حقيقة الأمر ،ومن بين يدي سيناريوا التصعيد في المواجهة،لا بد  من القول بأن عملية كاسر الأمواج الذي مر على انطلاقها ما يقارب 180 يوما،لم تنجح في كسر تسونامي المد المتصاعد ثوريا في الضفة الغربية،والتي تزداد أنتشارا من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها،لذلك وبسبب حالة الأرباك والاخفاق الذي تعيشه دولة الاحتلال أمام هذه المقاومة،من غير المستبعد أن تطلق دولة الاحتلال عملية ذات طابع تكميلي لعملية كاسر الأمواج التي يجري تنفيذها منذ عدة أشهر في الضفة الغربية،والتي استخدمت فيها القمع والاغتيالات والاعتقالات وفرض سياسة العقاب الجماعي دون التوصل إلى نتائج ملموسة تخمد غضب ثورة المقاومين،في المقابل وازاء الاقتحامات المتكررة من قبل المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك،وقيامهم بطقوس تلمودية داخل المسجد من نفخ في الأبواق والسجود الملحمي والاعتداء على المرابطين،قد يرتكب هؤلاء المستوطنين حماقة داخل المسجد الأقصى،تؤدي وتدفع الجماهير الفلسطينية المؤهلة عبر معركة انتصار الوعي إلى الدخول في مواجهة شاملة مع الاحتلال الإسرائيلي على كافة نقاط الاشتباك في الضفة الغربية،واندلاع مواجهات في مدن الداخل المحتل،وجر جبهة غزة للمواجهة بما يحقق مفهوم وحدة الساحات فلسطينيا،فالحالة النضالية الفلسطينية تؤكد كذب ادعاءات دولة الاحتلال بتوصيفها بأنها حالة شباب محبط ويائس،بل هي تؤشر بأن تلك حالة مقاومة طبيعية ومتصاعدة لشعب تحت نير الاحتلال،لا يمكن اختزال وعيه بعملية قتل هنا او هناك .

وكذلك فأن المعطيات الحقيقية على الأرض تؤشر بأن الشعب الفلسطيني يسير على طريق الحرية،ولن ترهبه كل أدوات القتل والقمع والتنكيل التي تمارسها دولة الاحتلال الأسرائيلي،وندرك جيدا أن للثورة الفلسطينية في الضفة الغربية أعداء كثيرين داخليا وخارجيا،وسيعملون جمعيا على ودأها،أما لمصالح شخصية او لتقديم قرابين الولاء لدولة الاحتلال،وايضا تكمن الخشية في محاولات الالتفاف سياسا من قبل امريكا والاتحاد الأوروبي ودولة العربية المنبطحة والسلطة الفلسطينية على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية،وذلك لافساح المجال للسلطة الفلسطينية استعادة دورها الذي يضعف كثيرا عند احتدام المواجهة وركوب ظهر الميدان،الأ أننا نؤمن بأن الجيل الفلسطيني قد شب على طوف الخوف والخضوع للأحتلال،وبات اكثر عزما وتصميما لتقديم المزيد من الصور المشرفة لنضال شعب امتد لأكثر من مئة عام تحت الاحتلال.

ففي ظل المشهد السريالي وتسارع وتيرة المواجهة والعمليات الفدائية في الضفة الغربية والقدس،اصبح من الواضح بان جرائم  الأحتلال الأسرائيلي والجهود المبذولة للقضاء على المقاومة الفلسطينية،بات بالفشل الذريع،وأن السلطة الفلسطينية بشكلها ودورها الحالي أصبحت تقف عائقا حقيقيا امام مشروع التحرر والانعتاق من نير الاحتلال الذي يخوضه شعبنا العظيم منذ اكثر من مائة عام،وهذا ما أكدته نتائج أستطلاع رأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة في شهر ديسمبر من العام 2021، حيث اعتبر 56% من المستطلعة أراؤهم بأن السلطة الفلسطينية باتت تشكل عبئا على الشعب الفلسطيني،وعبر 59% عن قناعتهم بان مشاريع الأستيطان في الضفة الغربية قضت كليا على حل الدولتين،وهذه نتائج توضح بعضا من أسباب تصاعدة حدة المواجهة والعمليات الفدائية الضفة الغربية،وتؤكد من ناحية اخرى ان الشعب الفلسطيني الذي فقد الامل في أمكانية تقويم البوصلة للسلطة الفلسطينية،قد اتخذ زمام المبادرة بيده للدفاع عن نفسه ومقدساته في مواجهة دولة الاحتلال في زمن الأنبطاح العربي. 

ونخلص للقول بانه لا يمكن اخضاع ارادة الشعب الفلسطيني الذي يخوض صراعه مع المحتل ويدافع عن الأمة العربية والأسلامية منذ اكثر من مائة عام في وجه القوى الأستعمارية،فهذا الشعب عصي على الانكسار مهما ساءت الظروف،ولا يمكن انتزاع حالة النضال الموروثة جينيا من دم الفلسطينين،وأن حالة التدجين والسقوط في وحالة العمالة المباشرة او غير المباشرة  لا تستطيع تغيير الشيفرة الوراثية والنضالية للشعب الفلسطيني الذي قد شرب حتى الأرتواء من محلول(أكسير النضال والصمود)، وتحفزه صور الشهداء والدماء والجرحي والتدمير والاستيلاء على الارض والاعتداء على الحرائر الفلسطينيات في مدينة القدس وغيرها،وكذلك بعض المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي التي تستنهض الوعي وتبث روح الثورة في النفوس،امام حالة من الغضب على ما تبقى من الكرامة المهدورة التي دفع بها أدعياء الوطنية الى هاوية التفريط والخذلان،ولسان حال الثائرين كما يقول الشاعر: وطني احبك لا بديل ،،، أتريد من قولي دليل،،، سيظل حبك في دمي،،،،، لا لن احيد ولن أميل.
[email protected]