يعبر الإضراب عن غضب المواطنين في مواجهة السلطة الحاكمة وعصياناً عليها من جهة، أو يعبر عن مطالب الجهة أو القطاع أو المواطنين من أجل الضغط على أصحاب العمل لتحقيقها من جهة ثانية، وأحياناً يأتي فعل الإضراب تضامنياً مع جهات أو أشخاص تعرضوا للظلم في إطار التضامن الإنساني. وهو فعل ممارس في فلسطين منذ حوالي القرن في مواجهة سلطات الاحتلال البريطاني وكذلك في مواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ثارَ نقاشٌ عام على مواقع التواصل الاجتماعي حول جدوى الإضراب الشامل الذي جرى تنفيذه يوم أمس الخميس الموافق 20/10/2022، والذي شمل مناحي الحياة وقطاعات العمل في الضفة الغربية، وفعاليته وتأثيره على الاحتلال الإسرائيلي.
ترى أطرف مجتمعية أنَّ الامتناع عن التدريس أو الطبابة أو عن فتح المحال التجارية أو الالتحاق بأماكن العمل في ظل التغيرات على وضع الاحتلال، أي انسحاباته من مناطق "ألف"، لا يفي بالغرض من الإضراب بقدر ما يعطل الحياة الطبيعية للمواطنين؛ فتأثير الإضراب الشامل على الاحتلال محدود جداً خاصة أنَّ سلطته عمليا باتت خارج مناطق الحكومة الفلسطينية، وأنَّ تعطيل التدريس يؤثر على القدرات العلمية للطلاب بعد ثلاث سنوات شابها تعطيل جزئي للدريس بفعل جائحة كورونا والإضرابات الاجتماعية التي لحقتها.
في المقابل يرى البعض أنَّ الإضراب شكلاً نضالياً يعبر عن غضب المجتمع الفلسطيني على جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ويعبر عن تضامن القطاعات المختلفة مع أهالي الشهداء الذين قدم ابناؤهم حياتهم من أجل الحرية والكرامة الوطنية.
النقاش هنا مشروع وحيوي وضروري وذلك لأنَّ كلَ وسيلة نضالية ينبغي أنْ تكون فعّالة ولها القدرة على التعبير عن الحالة الشعبية سواء كان هذا الفعل احتجاجياً أو تضامنياً، وعلى التأثير في الجهة أو الجهات التي يُراد أنْ تصل إليها هذه الرسالة. هذا النقاش ينبغي أنْ يكون منفتحاً وموضوعياً قادراً على الإجابة على الأسئلة والاستفسارات والتعليقات المختلفة المؤيدة أو المعارضة، وعلى احتياجات ومصالح الأطراف المختلفة من المؤيدين والمعارضين وذلك غير المنخرطين في هذه المداولة.
إنَّ اتخاذ قرار الإضراب ليس سهلا ولا ينبغي استسهاله من قبل الفصائل الفلسطينية، وأنْ لا يكون أيضاً جزءً من الصراع على السلطة الرمزية للجهات الفاعلة في المجتمع الفلسطيني؛ خاصة أنَّ التجاوب مع الإضراب يحتاج إلى قناعة مجتمعية لممارسة هذا الفعل، ولتحمل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناجمة عنه. كما ينبغي أنْ يأخذ بالاعتبار أنَّ أعباء الإضراب الشامل على المجتمع الفلسطيني في الحالة الفلسطينية اليوم ليس بذات الفائدة التي استخدم فيها في انتفاضة عام 1987؛ الذي امتنع العمال عن الذهاب لأماكن عملهم في أراضي عام 1948 مما أثر في الاقتصادي الإسرائيلي حينها، الأمر الذي يتطلب البحث بشكل دائم ومتواصل عن وسائل وأدوات أكثر فعّالية وتأثيراً وأكثر جدوى في عملية المواجهة ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن دون اسقاط أيّة وسيلة أو أداة لاستخدامها في الوقت المناسب لتعظيم الاستفادة منها واستثمارها في الفعل الوطني.
في ظني أنَّ إضراب الأمس جاء لتأديةً التحية للشهداء الذي يضحون من أجل الحرية والكرامة الوطنية والاستقلال، وللتضامن مع عوائلهم؛ كحالة وطنية تستحق انخراط المجتمع الفلسطيني بقطاعاته كافة فيها.