صدى نيوز - كتبت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية أن "إسرائيل" واجهت مرتين في تاريخها تهديدًا وجوديًا، الأول في 16 مايو 1948، بعد يوم من (إعلان استقلالها) عندما غزت خمسة جيوش عربية البلاد لتدميرها، وفي يوم كيبور 6 أكتوبر 1973، قوة الروح لأبناء ذلك الجيل أنقذتنا من الفشل الرهيب للقيادة ومن أجواء الغطرسة التي تفسد الجمهور و”الجيش الإسرائيلي”، وحولوا تقريباً هزيمة ساحقة إلى نصر مؤلم ولكنه مفيد" على حد زعمها.

وتقول الصحيفة: "تشرين الأول (أكتوبر) 2022. تراكم المشاكل الاستراتيجية الخارجية والداخلية يضع “إسرائيل” للمرة الثالثة في مواجهة تهديد وجودي. أهمها المشاكل الداخلية، ومعناها واحد: “إسرائيل” على وشك الانزلاق إلى سلسلة من الصراعات الداخلية العنيفة، والتي قد تؤدي إلى تفكك داخلي وربما حتى إلى حرب أهلية. والقيادة في معظمها عمياء ومنغمسة في ذاتها لأكثر من عقد من الزمان، والجمهور منقسم وغير مبال، في حين أن التهديد الوجودي يزداد سوءًا. كما يقول المثل: “ترتفع درجة حرارة الماء باستمرار ويعتاد عليها الضفدع”. لم أكن قلقًا أبدًا كما أنا الآن. لطالما كانت هناك أيديولوجيات ووجهات نظر مختلفة، وهي ضرورية. ولكن في العقد الثاني والثالث من القرن الحادي والعشرين اختفت الأيديولوجية بالكامل تقريبًا من “السياسة الإسرائيلية”، وحل مكانها الكراهية التي تغذيها المصالح الخاصة". 

وتضيف: "الكراهية المتقدة أدت إلى لعبة محصلتها صفر في “السياسة الإسرائيلية”، والتي تعني “إما أنا أو أنت”: إما يمين أو يسار، يهود أو عرب، شرقيون أو غربيون، متدينون أو علمانيون. الرابط الذي يربط بينهم والذي لا يزال يربطنا يذوب ويختفي. في غياب قاسم مشترك يتفكك “المجتمع الإسرائيلي” إلى قبائل وفصائل تُحدد هويتها أساسًا على أساس كراهيتها للأحزاب أو الكتل الأخرى. وتؤدي هذه الكراهية إلى حوار صم اجتماعي وسياسي يقوده مستشارون إعلاميون وصحفيون نيابة عن الصم. خطاب الكراهية الضحل والمدمّر هذا أصبح ممكنًا بفضل القنوات الإعلامية التي تبحث عن نسب المشاهدة، ويتردد صداه ويتم تضخيمه في المستنقع النتن لشبكات التواصل الاجتماعي".

وتابعت: "وبينما نتفكك كأمة وكمجتمع، تستمر المشاكل الاستراتيجية الداخلية في التراكم. إن الاستمرار في تجاهلها يضر بشدة بأمننا القومي وحصانتنا الوطنية ويشكل خطرًا حقيقيًا على استمرار وجودنا. يشجع الضعف الدراماتيكي للحكومة المركزية وجهات إنفاذ القانون – وهي عملية مستمرة لأكثر من عقد من الزمان – على نمو أقاليم حكم، وإلى الفراغ الحكومي تدخل المنظمات الإجرامية التي تفرض إرهاب الخاوات على أجزاء كبيرة من البلاد وتسرع من سباق التسلح غير المشروع، والمنطقة تعج بالوسائل القتالية غير المشروعة على نطاق يشكل تهديدا للأمن القومي. يجب أن نعيد على الفور الحوكمة والنظام إلى النقب والجليل ومناطق خط التماس والمدن المختلطة".

وأضافت: "الطبقات السكانية التي بالكاد تندمج في الاقتصاد و”المجتمع الإسرائيلي” سيشكلون بعد حوالي ثلاثة عقود أكثر من نصف سكان “إسرائيل”. اليوم ما يقرب من نصف طلاب الصف الأول هم من الحريديم والعرب. لا يمكن أن تكون لنا دولة هنا إذا لم يتم دمج المواطنين العرب والمتدينين ويساهموا في المجتمع والاقتصاد. ومن المرجح أيضًا أن ذلك الجزء من الجمهور الذي يساهم في المجتمع والدولة، والذي ستنخفض نسبته بين السكان في العقود القادمة لن يكون مستعدًا لمواصلة تحمل العبء غير المعقول للضرائب والخدمة في الجيش، ومن المتوقع أن نشهد مغادرة للبلاد بشكل متزايد. حوالي “مليون إسرائيلي” يحملون جنسيات إضافية خاصة من أوروبا أو الولايات المتحدة".

وأكملت: "حوالي 20٪ من “مواطني إسرائيل” يعانون من التمثيل السياسي غير المناسب ومن العنصرية وانعدام المساواة وضعف البنية التحتية المدنية والجرائم الخطيرة للغاية. هؤلاء هم فلسطينيو الداخل. ولهؤلاء الحق في المساواة الكاملة، وعلى “إسرائيل” أن تلتزم بشكل مطلق بسد الفجوات الكبيرة في جميع المجالات. أنا لست ساذجا. غالبية المواطنين العرب في “إسرائيل” لا يتحركون بدافع حب “الدولة اليهودية”، وأعضاء الحركة الإسلامية (“الجناح الشمالي المتطرف” والجناح الجنوبي الأكثر براغماتية / RAM) سيستمرون في رؤية “إسرائيل” على أنها أرض وقف إسلامي وأنه يجب تحريرها، ورغم ذلك فإن معظم العرب يريدون بشدة الاندماج، وحتى التعايش الفاتر أفضل بعشرات المرات من الصراع المستمر".

وقالت: "الاعتماد المفرط على القوة العسكرية، مهما كانت قوتها هو خطأ مفاهيمي خطير. يجب أن يكون ل “إسرائيل” جيش قوي ونظام أمني قادر على التعامل مع التهديدات الفورية والاستراتيجية. ولكن حان الوقت لإدراك أن القوة الحقيقية لأي بلد مبنية على مزيج من القوة العسكرية الرادعة، والحصانة الاجتماعية الوطنية والقدرة الاقتصادية والتقدم العلمي، والشرعية السياسية. إذا لم نعززهم جميعًا في نفس الوقت فلن يكون لقوتنا العسكرية أي معنى".

تقول الصحيفة "إن الفساد في السلطة الفلسطينية خطير لا مثيل له، وكراهية الفلسطينيين للسلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية تحطم الأرقام القياسية. فقدت القيادة الفلسطينية بشكل شبه كامل شرعيتها العامة مما يمنعها من فرض النظام والأمن في مناطق السلطة الفلسطينية. نتيجة لذلك يتزايد العبء على عاتق “قوات الأمن الإسرائيلية” التي تضطر للتعامل مع بؤر الاضطرابات. وهذا يزيد من حدة الاحتكاك وينتج عنه عدد كبير نسبيًا من الضحايا مما يزيد من “فرص اندلاع العنف وأجيال من الإرهاب”. هذه هي دائرة الدم في أسوأ حالاتها".

وتضيف: "لا توجد إمكانية لقيام دولة ديمقراطية ويهودية بلا حدود وبدون فصل فعلي بين السكان في الأراضي الفلسطينية و”إسرائيل”. إن خطاب الكراهية بين اليمين واليسار يجعلنا عميا عن حقيقة أننا ذاهبون إلى إقامة دولة ثنائية القومية “إسرائيل” وفلسطين، وهذا الواقع قريب جدًا من أن يكون لا رجوع فيه. هذه دولة مشوهة حيث يتمتع جزء من السكان فيها بحقوق أقل وبنظام قانوني منفصل. ضم ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون في واقع مستحيل في الضفة الغربية وقطاع غزة مع وجود أقلية عربية كبيرة مظلومة ومضطهدة في “إسرائيل”، قد يجعل الحياة في البلاد مستحيلة".

وتابعت: "مشكلة استراتيجية أخرى، لا نتحدث عنها كثيرًا، تكمن في الجيل الأصغر من المواطنين اليهود في “إسرائيل”. حيث يركز معظم هذا الجيل أكثر على نفسه ويعيش يومه ولا يهتم بغير ذلك، ويشعر بالتهديد الوجودي على البلاد أقل. ورغبته في التجنيد أو خدمة البلاد وبالتأكيد في الخدمة القتالية في اتجاه تراجعي كبير. في مواجهة التحديات الهائلة التي ذكرتها، تصبح هذه مشكلة خطيرة. بين جميع المشاكل التي ذكرتها هناك علاقات متبادلة وثيقة. يمكن للجمع بينها أن يتدحرج بسرعة إلى صراعات عنيفة بين “الإسرائيليين” والفلسطينيين، بين اليهود والمواطنين العرب، وحتى بين اليهود واليهود. يمكن لأي صراع من هذا القبيل أن يشعل الصراعات الأخرى بسهولة أيضًا، وقد يؤدي ذلك إلى تسارع التفكك الاجتماعي والقومي وحتى الحرب الأهلية".

وأضافت: "البروفيسور باربرا والتر نشرت مؤخرًا كتابًا يحلل الحروب الأهلية، ويتناول مسألة كيفية بدايتها. عوامل الخطر الرئيسية الثلاثة، وفقًا لوالتر، يجب أن تسبب لنا قلقًا كبيرًا: ديمقراطية هشة وضعيفة، صعود الأحزاب (أو بعبارات أكثر شيوعًا: صعود التحزب والقبلية)، وفقدان المكانة الناتجة عن الأحزاب السياسية. والتخلي عن الأيديولوجية وهذا يؤدي إلى انعدام الثقة في الأحزاب، ويسرع من ارتباط المواطنين بمؤشرات الهوية: الدين أو العرق أو الطبقة أو الوضع أو الخصوصية الجغرافية".

وتابعت: "في بحثها، حددت والتر أيضًا اثنين من المعجلات المهمة التي تزيد بشكل كبير من خطر الانزلاق إلى حرب أهلية. الأول هو فقدان الأمل، وهو وضع يفقد فيه المواطنون الثقة في الأنظمة الحاكمة ويتوقفون عن الاعتقاد بإمكانية حل الوضع المعقد (سلمياً). والثاني هو عدم وجود تنظيم لشبكات التواصل الاجتماعي مما يسمح بنشر معلومات كاذبة والتحريض الذي تستخدمه العناصر المتطرفة لزيادة الكراهية والتشجيع على العنف".

وأكملت: "إذاً ما الذي يمكن عمله وما علاقته بالانتخابات القادمة؟ إن استمرار تجاهل قادتنا للصورة الخطيرة التي وصفتها، إلى جانب عدم مبالاة الجمهور، يهدد وجود الدولة الديمقراطية واليهودية. لذلك، صوتوا فقط لأولئك الذين في رأيكم يفهمون خطورة وضع “إسرائيل”. التصويت فقط لمن سيكون على استعداد لتأسيس حكومة وحدة وطنية تجتمع فيها الكتلتان الرئيسيتان، ومن ثم دمج الأحزاب العربية والحريديم فيها، دون المتطرفين الوهميين (بن غفير وسموتريتش وبلد). إن اندماج العرب والحريديم في الحكومة أمر بالغ الأهمية، لكن من المهم ألا يكونوا في موقع يرتبط أو يتعلق فيه استمرار وجود الحكومة عليهم. صوتوا لمن هو برأيكم قادر على تشكيل حكومة تلتزم وتعمل على الفور لاستعادة فرض النظام والحوكمة على جميع أنحاء البلاد من خلال القضاء على الجريمة المنظمة والخطيرة وتشديد عقوبة الحيازة غير القانونية للأسلحة بشكل كبير، وتعزيز قوة أجهزة إنفاذ القانون بشكل كبير ولا سيما الشرطة ونظام القضا"ء.

وقالت: "أعطوا صوتكم لمن ينوي قيادة المصالحة وبناء قاسم مشترك بين جميع مكونات الشعب و”المجتمع الإسرائيلي”. ويقدم خطة واقعية وفورية لإدماج اليهود المتدينين والعرب في الاقتصاد و”المجتمع الإسرائيلي”. والعمل بشكل عاجل مع الأطراف الدولية والعربية مع التفكير خارج الصندوق، ولتطهير السلطة الفلسطينية من الفساد واستعادة حكمها في المناطق أ واستقرار بنيتها التحتية ووضعها الاقتصادي. إن الشعور بالحرية لدى المواطنين الفلسطينيين ضروري لإبطاء التدهور وإنشاء بنية تحتية ربما تسمح بتحقيق رؤية الدولتين لكلا الشعبين في المستقبل. من الضروري الاستثمار في بناء جيش محترف ونوعي مع قدرة ردع حقيقية، يركز على التهديدات الاستراتيجية الخارجية وليس على الظهور الإعلامي، وقادر على حسم أي معركة بشكل واضح. لكن في الوقت نفسه يجب استثمار ميزانيات ضخمة في التعليم بشكل عام، وفي سد الفجوات التعليمية الدراماتيكية لدى العرب والحريديم بشكل خاص، وكذلك في البرامج التعليمية من أجل حب الشعب والبلد، والتي تهدف إلى زيادة مشاركة جيل الشباب في بناء مستقبل البلاد".

وختمت بالقول: "لقد تحدثت وكتبت من قبل عن خطورة التهديد الداخلي، لكن منذ ذلك الحين تدهور الوضع بوتيرة سريعة للغاية. لكي تُقرأ هذه المقالة بالجدية التي تستحقها ولا يُنظر إليها على أنها دعاية انتخابية، لا أنوي أن أوصي تحديدًا من تنتخبون. آمل فقط أن يكون من يقرؤوا كلماتي قد فهموا أن بلدنا يقع تحت تهديد وجودي داخلي خطير للغاية، وأن الجمع بينه وبين التهديدات الخارجية يجعل الوضع أسوأ سبع مرات. الوقت ينفد. هذه الانتخابات هي الفرصة الأخيرة لوقف التدهور، ولمطالبة من يُنتخب بحلول للمشاكل الاستراتيجية وعلى الفور. وإلا فلن يتبقى لنا دولة".

المصدر: الهدهد