عزيزتي حكومة دولة فلسطين..
لقد قطعت ما يزيد عن 8000 كيلومترا ذهابا وإيابا لأمثّل وزارة الصحة الفلسطينية في القمة العالمية للصحة النفسية في روما، وقضيت ما لا يزيد عن 40 ساعة فيها قبل أن أعود مسرعة إلى عملي، قدمت خلالها ثلاث محاضرات، كانت إحداها حول تعزيز الصحة النفسية في مكان العمل وما تتخذه الحكومات والمؤسسات من إجراءات للحفاظ على العافية النفسية لموظفيها وضمان تخفيض الضغط عنهم. لم أدرِ عن ماذا أحدثهم؛ فبالإضافة إلى أنني كغيري من الفلسطينيين، أتعرض لشتى أنواع الاضطهاد والتهديد، إلّا أنني أيضا أعمل في وظيفة حكومية، وأقطن في مدينة القدس متكبدة الكثير من المعاناة أثناء تنقلاتي، فقد قضيت في الشهر الماضي، على سبيل المثال، ما معدله ثلاث ساعات يوميا في طريقي بين رام الله والقدس، وكثيرا ما أعبر الحواجز تحت إطلاق النار وإلقاء الحجارة وتنقطع أنفاسي مرورا في الأزمة الخانقة.
عزيزتي الحكومة الفلسطينية..
من المعلوم أن من يعملون في الصفوف الأولى في حالات الطوارئ وفي مجال الصحة والشرطة وحقوق الإنسان والصحافة ومع ضحايا العنف هم الأكثر عرضة للضغط النفسي والصدمات الثانوية والاحتراق الوظيفي. إنني ومن خلال عملي على رأس خدمات الصحة النفسية الحكومية، أقدم الدعم لكل الفئات سالفة الذكر، ويهمني أمر العافية النفسية لكل الناس في بلد مأزوم يفوق في تحدياته النفسية كل بلدان الجوار. 
حكومتنا الموقرة، أنا أعمل لديكم منذ ١٧ عاما، قضيت السبعة الأخيرة منها كقائم بأعمال مدير وحدة الصحة النفسية، دون تثبيت، ودون تمكين حوكمي وبلا مقدرات وبلا معين، وكان أن توفي والدي منذ عدة أشهر وتم اقتطاع اليوم الوحيد الذي غبته بمناسبة وفاة الوالد من إجازاتي السنوية الشحيحة، فضاقت نفسي بالعمل منذ ذلك الحين. ما ضر لو منحتموني عدة أيام لألتقط أنفاسي بعد الحدث الجسيم؟
عزيزتي الحكومة الفلسطينية..
لقد فكرت بك كثيرا أثناء إعدادي لتلك المحاضرة، وأنا أسابق الزمن أثناء السفر، وعندما تلقيت الخبر الصادم لاستشهاد زميلنا د. عبد الله الأحمد، ولم نتوقف عن العمل، وحاليا وعندما يراد تفكيك الأجسام المهنية المنتخبة التي تمثلنا وتربطنا مع الزملاء كنقابة الأطباء؛ أتساءل إن كنت تفكرين بنا كموارد بشرية تعمل بعقلها وروحها وليس فقط كآلات منصاعة تختم البصمة صباح مساء، وأودّ أن أذكرك بأهمية عافيتنا النفسية، وأخبرك عن قلقي أن يكون انشغالنا بك، أنا وغيري من الموظفين، هو حب من طرف واحد وارتأيت أن أقترح عليك، إن شئت أن نتجاذب أطراف الحديث، دعوة ذوي الاختصاص لبدء العمل على تطوير برنامج العافية النفسية للموظفين، نبدأه باتخاذ سياسات للحفاظ على الصحة النفسية في القطاع العام لنكون أسوة لغيرنا من المؤسسات والدول..ودمتم!