لم تغب فلسطين عن رزمة القمم التي شهدها العالم في القرن العشرين، اولها وأهمها القمم العربية وتليها الاسلامية ثم الافريقية ثم عدم الانحياز.
كان الحضور الفلسطيني متفاوت الصفة في كل هذه القمم، يوفر للقضية زخما دوليا جعلها عصية على التجاهل ومستحيلة على التصفية.
كان بوسعنا اعتبار القمم بشتى عناوينها المنصة الدولية الاهم التي وفرت صدقية سياسية لمصطلح القضية المركزية، والتي ادخلت فلسطين بعد تجاهل طويل الامد الى قلب المعادلات الدولية بلغ الذروة حين القى الرئيس ياسر عرفات خطابه التاريخي امام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كان للقمم العربية مذاقا خاصا ومزايا متفردة، اذ كانت تجسيدا للحاضنة العربية الرسمية المستجيبة للحاضنة الشعبية، ما وفر سياجا منيعا يحمي الظاهرة الفلسطينية من بطش خصومها المقتدرين واشرسهم الخصم الامريكي آنذاك المتحالف بالجملة والتفصيل والهدف مع الخصم الاسرائيلي.
كان اعتماد القمم العربية لمركزية القضية الفلسطينية وتمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني مقترنا بدعم مالي، وان كان متفاوت الالتزام الا انه ملأ خزينة الصندوق القومي بما يكفي من مال للانفاق على التوسع الهائل للظاهرة الفلسطينية والذي شمل العالم كله.
إضافة الى ما كان يحصله كل فصيل بمجهوده الخاص اذ كان المال والسلاح يتدفق بسخاء من جانب جميع المستثمرين في الحالة الفلسطينية.
اخذت القمم العربية بالتراجع، الى ان بلغت خط الحد الادنى وما دونه، مكتفية بمجرد الحفاظ على ما تبقى من النظام العربي الذي ينطوي تحت يافطة الجامعة العربية.
لقد تداعت فكرة القمة تحت ضربات الاقتتال العربي العربي الذي لم يكن الربيع الدامي اوله ولا آخر فصوله، وبالنسبة للفلسطينيين فقد تراجع زخمها كثيرا وبدت قراراتها في الشأن الفلسطيني بالذات مجرد تكرار او استنساخ عن قرارات متقادمة يكتبها الفلسطينيون ويصادق عليها العرب حتى دون قراءتها.
التطور الذي انجزته القمة وبدا نوعيا في قراراتها صدور المبادرة العربية للسلام التي اعتبرت اول موقف عربي واضح ومحدد وجماعي نحو التسوية مع إسرائيل، ورغم الجهد الفلسطيني القوي لتسويق المبادرة اسرائيليا وامريكيا ودوليا، الا انها وبفعل اهمال صانعيها لها بدت كما لو انها ماتت بالسكتة ولم تعد ذات شأن في مجال التداول السياسي، حتى من اعتبر افضل رئيس سلمي لوزراء إسرائيل ايهود اولمرت، ابلغ ابو مازن انه لم يطلع عليها اما غيره فطلب ان يأتي وزير الخارجية السعودي آنذاك المرحوم سعود الفيصل لاعلانها من على منبر الكنيست!!!
تراجع القمم العربية مرتبط منطقيا بتراجع الحالة العربية من خلال التمزق والتشتت ليس فقط في مجال العلاقات البينية وانما في الشؤون الداخلية لكل دولة، فمن لا تعاني من حرب أهلية او ما يشبهها تعاني من تدهور اقتصادي ومخاوف امنية في غاية الجدية، ولأن السياسة الخارجية يحددها الوضع الداخلي لكل بلد فمن اين نأتي بفاعلية حاسمة للقمة العربية والجالسون على مقاعدها يفكرون فيما ورائهم وليس فيما امامهم، فهم قادمون من بلدانهم التي لكل واحدة منها ما يكفي ويزيد من التحديات الداخلية والخارجية، ويستعجلون العودة من حيث أتوا ليواصلوا مواجهة ازماتهم ، فمن لديه والحالة هذه ترف الاهتمام بقضايا الاخرين؟ ومن يقدر على إعادة القضية الفلسطينية الى وضعها بل ومسماها القديم القضية المركزية؟
بما اننا بصدد قمة تنعقد في الجزائر وكانت الهدية الجزائرية لها بيانا على طريق وحدة الفصائل الفلسطينية فبوسعنا اختزال التوقعات او نقلها من دائرة التمني الى دائرة الواقع لأقول أخيرا " نجحت الجزائر في عقد القمة رغم الصعوبات، أي انها نجحت في الذهاب، اما النجاح في الاياب فلسطينيا وعربيا فسوف يخرج من يد الجزائر ليسلم الى يد الفلسطينيين والعرب وجملة لم الشمل كشعار تصلح للحالتين اما كتطبيق فدعونا نراقب لنرى"
ملاحظة تستحق التأمل، يتصادف انعقاد القمة العربية مع اجراء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية فأين يتجه الاهتمام الشعبي... الجواب يحدد منسوب الأهمية!!