أثارت المحاضر "المسربة" على وسائل التواصل الاجتماعي للجنة التحقيق الفتحاوية باغتيال الرئيس ياسر عرفات عشية الذكرى الثامنة عشر لوفاته الجدل الشعبي والعديد من الارهاصات الداخلية في حركة فتح؛ خاصة أنَّ محاضر التحقيق أو اللقاءات مع كبار المسؤولين في النظام السياسي الحاضرين في المشهد اليوم أو الذين غابوا عنه أو غيّبوا منه كانت لديهم صلة مباشرة في حياة الزعيم الراحل، وهي تشهد على مرحلة دقيقة من حياة الشعب الفلسطيني والتحولات التي جرت في النظام السياسي وأسرار حياتيه لشخصية الزعيم ومن حوله من نساء ورجال.
اطلعت على عددٍ من المحاضر ولم أُكمل قراءة الأخرى؛ لأنَّ الغاية من "تسريبها"، في ظني وأغلب الظّن ليس إثماً، ليست لوضع الحقيقة أمام المواطنين أو عرض ما قامت به اللجنة على مدار سنوات طويلة من جهد غير بيّنٍ، أو وضع براهين وبيّنات وأدلة واضحة ودقيقة تحدد عناصر الجريمة "اغتيال الزعيم الراحل"؛ بقدر كونها تصفية حسابات بين قيادة حركة فتح وصراع على النفوذ والمكانة والحظوة لإثبات القدرة على النفاذ والإبقاء على الذات. وكذلك هذه المحاضر ليست كاملة بما فيه الكفاية أو هي ليست المحاضر الحرفية التي تشفي غليل القارئ الراغب في معرفة تفاصيل الأحداث أو تسجيلها لرسم الصورة أو اكتمال مشهديتها في ذهنه أو مخيلته لتكون تسجيلا لتاريخ المرحلة.
بالرغم مِنْ أنَّ المحاضر "المسربة" تحتوي على كمٍ من المعلومات التفصيلية حول الأحداث وعلى آراء بعض المسؤولين حول عملية اغتيال الزعيم الراحل إلا أنَّ القارئ يكتشف بسهولة بأن هذه التسريبات موجهة لتكوين اتهامات محددة لأشخاص بعينهم وذلك بوضع علامات "للإسراع" لقراءة بعض الفقرات المحددة في هذه المحاضر.
الأشخاص في مجمل هذا الصراع ليسوا مهمين سوى ياسر عرفات ذاته، في ظني أنَّ الأهم ما يصيب حركة فتح وما سيلحق بها من أذى؛ باعتبارها الحركة الوطنية الوحيدة اليوم وفي المدى المنظور القادرة على قيادة الحركة الوطنية كوسيلة ضرورية في مواجهة الاحتلال وفي بناء مجتمع فلسطيني تقدمي يقوم على ركائز العقد الاجتماعي المجسم في وثيقة اعلان الاستقلال، الصراع القائم اليوم الذي يهدم ما تبقى من هذه الحركة ومن النظام السياسي الهرم ويُحث الخطى نحو موته؛ فالطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة.
آنَ الأوان اليوم لإنهاء المهزلة القائمة، سواء كانت هذه المحاضر أو الوثائق سُربت عمداً أو قصراً أم تمت قرصنها، بوضع تقريرٍ كاملٍ شاملٍ عن أعمال لجنة التحقيق باغتيال الرئيس ياسر عرفات مرفقاً بكامل الوثائق التي حصلت عليها أو تمكنت من الحصول عليها أو تلك التي لم تتمكن من الحصول عليها؛ فلم يعد مقبولاً عدم تقديم لجنة التحقيق تقريراً واضحاً محدداً للشعب الفلسطيني على مدار عمرها الذي تجاوز اثنتي عشر سنة، خاصة أنَّ هذه اللجنة معنية برمز وطني ملكاً للشعب الفلسطيني جميعه وليس حكراً على حزب أو فصيل أو لجنة حزبية أو عائلة.
إنَّ الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى قرائن وبراهين وبيّنات وتحقيقات لإقناعه بمسؤولية اسرائيل وحكومتها عن اغتيال الزعيم الخالد ياسر عرفات سواء بالتسميم أو بغيره، فكل الشواهد لا تشير فقط بل تؤكد وتجزم بأنَّها أقدمت على اغتيال الزعيم الراحل ياسر عرفات بحصاره بالمقاطعة بأوضاع صحية ونفسية صعبة حالت دون ممارسته لمهامه التي منحته إياها ليست فقط الدساتير والقوانين بل محبة شعبه والكاريزما التي تحلى بها طوال نصف قرنٍ من النضال الوطني وأكثر.