"انا اصرخ اذا انا موجود".......قاعده عززت موقعها سلوكاً واسلوب حياة ليعتمدها من اعتاد على الضجيج  ومن هو ضعيف مهزوم من الداخل  بعدما اصبح لا يملك من الادوات والوسائل التي من شأنها ان تنهي ازماته المتراكمه، حتى أوشكت على انهاء  وجوده ومستقبله،  دافعه به نحو حتفه... فكانت العنصريه ذات الطابع الفاشي  وقد ملأت الدنيا زعيقاً والنفوس حقداً  بمثابة النار التي احرقت اصابعه، والنرجسيه المتجزره في وجدانه، التي جعلته يشعل حريقاً كان هو اول من اكتوى بحرارتها.

وانسجاماً مع هذا  فليس مفاجئاً ما تتعرض له البشريه من تهديد  على مدّ البصر بدا يتعاظم دونما استئذان، راسماً ظلاً داكناً على جميع مناحي الحياة، ليطال دولاً كانت تظن انها بمنأى عن آثاره المدمره، كان  ناجماً عن زحف المد العنصري بأيديولوجياته المكتنزه بأفكار بغيضه اختمرت في العقول، وشعارات تجاهر بكرهها للاخر لم يتمكن الزمن بقرنه الحادي والعشرون من كبح جماحها او حتى تجاوزها.

 عنصرية اصبحت ظاهرة عالمية  للعصر بأساليبها المعلنة والخفيه،  فكانت بمثابة النازية الجديدة التي اخذت شكل الجرائم القومية بعد ان  تاسست  على التحيزات الطبقيه وبخلفيات عرقيه، هدفها الاساسي المعلن و الصريح هو  النيل من السلم الاهلي  وادخاله في حاله مزمنه من الصراع على الانتماءات، فبدت تنمو وتتضخم حتى اوشكت  ان تلتهم  الدول من الداخل  بعدما دب في اوصالها الكراهيه  والوهن والتخلف، واضعه نصب أعينها الفئات الضعيفه  في امتهان واضح لحقوق الانسان والتي مورس بحقها  كل اشكال التهميش و الاضطهاد،  لتقع  في مرمى اهدافها  الاقليات و اللاجئين من العرب والمسلمين واصحاب البشره السمراء وكل من فجعته ظروف بلاده  فلم يجد اي اثر لمقومات الحياة في زواياها، فاضطروا الى مغادرتها، ليستهدفونهم بسهامهم ويسلقونهم بألسنتهم الحداد، بحملات شعواء  تعالت حدتها، تاركه ورائها ظلماً ساكناً في النفوس، وشارع يغلي على نار التطرف والكراهية.

فكانت بمثابة غزواً عنصرياً كاد ان يتفشى في النظام العالمي اجمع، نابع بالاساس من سطوة نظام العولمه على جميع مفاصل الحياة،   لتخلق على اثرها معادلة جديده  تتمحور حول نزعتهم الانعزالية القائمة على مبدأ " استحالة  الحياة المشتركه بعد الان " مع من يعتبرونهم اقل شأناً منهم، يتعاملون معهم بفوقيه و استعلاء واستحقار،  فلربما كان هذا كافياً لتُدخِل انصارها ضمن اطار مفهوم "الذئاب المنفلته"  تلك التي ترفع علناً شعار "شريعة الغاب" حيث لا منطق ولا انسانيه في طريقة التعايش مع الاخرين والتي لم تعد في قاموسها مكاناً يقتصر على عالم الحيوان، حيث القوي يسحق الضعيف بلا شفقة او رحمه، بل تعدته ليشمل عالم الانسان الذي لا يفقه سوى سياسة سفك الدماء والتطهير العرقي والقتل، مسقطين المجتمعات في ازمة عنوانها "الكل ضد الكل " بتحويلهم الى اعداء يشهرون السلاح ضد بعضهم البعض.

فهي بلا شك بروباغندا لاجل اهداف سياسيه، الخاسر الاكبر فيها هو الانسان....ولنا ولكم في الشرق والغرب من فئة  القلوب الرحيمه والضعيفه لخير مثال ..!  حيث المتاجرة بالمأساة الانسانية بات امراً طبيعياً، خصوصاً عندما تتقاطع المصالح مع الحسابات السياسيه عندها تسقط طوعاً الشعارات الانسانيه البراقه، فتراهم  يتباكون على القط قبل الانسان، وكيف لا وهناك ثمة فرق في المعاييرعندهم  بين الانسان والحيوان، فأصبح بامكانك ان ترى العنصرية المقيته بأبشع صورها و بنهجها المتطرف بعد ان باتت ضيفاً خفيف الظل وممراً ومرتعاً مرحباً به في دولها التي صادقت على صك ثقافتها كمبدأ وليس فقط وجهة نظر يسقونها لشعوبهم بالملعقه قولاً وفعلاً .

و قد لا يخفى على احد  هذه الايام ما قد ألمّ بالديمقراطيه وحل بها، فهي الاخرى  قصتها قصه وقد اصابها ما اصابها من تهميش وسوء حال، في ظل التصاعد المستمر لليمين المتطرف الذي عاد الى الواجهه وبشراسه، مقابل تراجع واضح للاحزاب اليسارية المعتدلة،  فباتت تواجه اسوء  ايامها،  يلاحقها  خطر وجودي هدفه اذابة معناها الانساني  باعتبارها صمام الامان الذي تحتمي فيه الشعوب، فنراها اليوم تترنح في عالم يختصر فيه الرأي العام بين نعم ولا وانعدام الرأي في الكثير من الاحيان، حتى ارتطمت في حائط مسدود، والذي قد لا يبشر الا بمزيد من الاضطرابات السياسيه والاجتماعيه والامنيه.

فكان تفوق اليمين المتطرف الذي يتبنى  وبقوه  النهج العنصري، وصعوده  الى اعلى السلم السياسي  في العديد من دول العالم وبلا ادنى شك هو هزيمة مدمره للديمقراطيه بعدما استحكمت تلك الفئات على سدة الحكم فارضه قوانينها التي هي بالاساس افكار بغيضه واحقاد سوداء نضحت على سطح نفسيتها المأزومه، جعلها تسير نحو مستقبل يكتنفه الظلام  وأفق لا يرى من ورائه غير الدخان، محوله الدول الى دول فاشله قائمة على المحاصصه وليس المواطنه، رهينة التمزقات الفكريه والعقائديه.

فالحقيقه المرئيه  والمؤكده  تشير الى ان الاستقطاب والتحشيد لدعم ما  يسمى بالفاشيه الجديدة والايديولوجيه النازيه التي نراها ونسمع بها في وسائل التواصل الاجتماعي  باتت تأتي أُكلها، فهي من ايقظت الحركات العنصريه من سباتها، فبدت كأخطبوط يمد اذرعه عميقاً في كل مناحي الحياه،  يسحبها تواطؤ وتحريض من قبل الحكام والشخصيات النافذة، يسحبها تواطؤ وتحريض الجماعات الارهابيه المتطرفه، والذين لولاهم ولولا منحهم الضوء الاخضر وغض الطرف عنهم  وعدم محاسبة مرتكبيها لما كانت لهذه الفئات ان تجرؤ على القيام بمثل هذه الممارسات لتشكل الدعوات التحريضيه العنصريه مادة سياسيه دسمه وضعوها على قمة جدول اعمالهم .

ولربما ليست المسافه ببعيده عما  يعانيه الفلسطينيين اليوم  حيث العنصريه في ابهى صورها و صناعة الموت هناك  صناعة رائجة تزدهر  على يد احتلال يرفع صوتاً ويداً،  يقتل كما يتنفس، لا يعرف للانسانية عنوان او محتوى..بعد ان تحولت شوارع الضفة الغربيه وطرقاتها الى ساحات للاعدام الميداني لشباب في عمر الزهور، في المقابل تتفاخر امام العالم اجمع  على  انها صاحبة مقولة  "الدوله الديمقراطيه والانسانيه  الوحيده في المنطقه العربيه "ليتضح للعالم اجمع ان هناك مسافة فاصله بين ما يقولون وما يقعلون  بعد ان  تخطت بعنصريتها وكراهيتها  للفلسطينيين كل حد  ومنطق ، حيث  الاحزاب المتطرفه هناك تتسابق وبشده للامساك بمقاليد السلطه وقد فعلت ونالت ما كانت تصبو اليه، فها هي اسرائيل اليوم وعبر صندوق الانتخابات تفرز عمالقه في التطرف والارهاب ليتم تشكيل حكومه اجمع الجميع على انها الاولى والاكثر تشدداً وتطرفاً وعنصريه وكرهاً للعرب في تاريخ اسرائيل،  لينخفض تباعاً مؤشر الديمقراطيه عندها، ليلامس القاع،  بعدما اصبحت لغة القتل والعنف هي صاحبة الكلمه الاولى والاخيره بل الطاغيه على كل اللغات، ليلازمك الشعور بالكراهيه والاضطهاد   باستمرار، شعوراً حتما لن يغادرك ما دمت هناك، فمؤلم مثل كي الجراح ان ترى الطوفان  والمد العنصري يجرف امتنا التي بدت عمياء صماء فاقدة للتفكير ويأخذها نحو منحدر مفزع، نهايته هاوية سحيقة مرعبه،  فهل ستستفيق  لهذا الخطر وتغلق ابواب الجحيم قبل فوات الاوان، ام سينطبق عليها وصف احمد شوقي  متنبئاً بها "شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات".