صدى نيوز - نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحث، مايكل سينغ من معهد واشنطن، بعنوان "الشرق الأوسط في عهد التعددية القطبية"، الذي تحدث فيه عن سبب مغازلة الدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة لكل من روسيا والصين.
وأشار إلى أن إعلان أوبك+ عن تخفيض معدل الإنتاج بنحو مليوني برميل في اليوم، أثار غضب الإدارة الأمريكية، حيث اتهمت المتحدثة باسم البيت الأبيض أوبك+ بأنها مصطفة مع روسيا، معتبرا أن الاتهام الأمريكي لم يصدر لأن السعودية هي زعيمة الكارتل وأكبر منتج للنفط، بل لأنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة.
ورأى أن البيت الأبيض كان محقا، فالسعودية وروسيا متحالفتان في أوبك ويجمعهما هدف منع التنافس بين الدول المنتجة للنفط بطريقة تخفض من موارده. ولكن الإدارة ذهبت أبعد من هذا عندما اتهمت الرياض بدعم موسكو سياسيا، والوقوف معها في حربها بأوكرانيا، بطريقة تقوض المحاولات الغربية لفرض عقوبات عليها.
وأضاف: "هذا الموقف "أبيض- أسود" من السعودية يتطابق مع الرؤية الثنائية، التي تتعامل فيها الإدارة مع شركائها وحلفائها ورؤيتها في الاستراتيجية الوطنية لعام 2022 من أن الصراع في العالم هو بين الديمقراطية والاستبداد".
وأوضح أن بناء هذه النظرية يميل إلى قرارات شركاء واشنطن على أنها امتحان ولاء لأمريكا، معتبرا أن مشكلة هذه الرؤية لا تشترك بها الدول الحليفة للولايات المتحدة، فالتحالف مع الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة هو خيار؛ فموسكو وبيجين هما وكلاء لا حلفاء. وفي الوقت نفسه تشهد فيه السياسة الخارجية الأمريكية تحولات دافقة في أولوياتها، بشكل يترك الحلفاء بتطمينات ضئيلة حول القضية التي تدعمها واشنطن اليوم، ستكون محل اهتمامها غدا، وأن دعمها في مجال معين سيؤدي لمعاملة بالمثل في قضية أخرى.
ورأى أن حلفاء واشنطن وخلافا لرغبة أمريكا، اختاروا التعامل مع كل القوى وتجنب دعم طرف على طرف، وهو ما يستدعي استراتيجية أمريكية جديدة أكثر دقة، وتعني أن على واشنطن مواجهة شركاء قد لا يفعلون ما تريدهم منهم.
وتابع: "يعني هذا تبني أمريكا نهجا أكثر رشاقة وموضوعات محددة في النظام الدولي، وتعظيم تأثيرها في عالم متعدد الأقطاب".
وتتعامل معظم الدول مع التنافس بين القوى العظمى، وليس التهديد من طرف واحد كتحد كبير للمصالح القومية؛ فالسعودية تتعامل مع الصين كشريك اقتصادي، تستورد خمس الصادرات النفطية السعودية، وزيارة شي جينبنغ تأكيد هذه الشراكة. ومن جهة أخرى، تتعامل السعودية مع الولايات المتحدة كحليف أمني. وعليه، فالاختيار بين علاقة وأخرى أو تخفيف أخرى سيكون مكلفا، وعليه تحاول السعودية الحفاظ على العلاقة مع الطرفين.
ومن هنا تحاول السعودية وبقية حلفاء أمريكا في المنطقة تبني نهج "كل ما ورد أعلاه" في علاقاتها مع القوى العظمى. ففي الشرق الأوسط وحده، البحرين والكويت والسعودية وقطر والإمارات هي دول شريكة، أو قد تصبح شريكة في منظمة شنغهاي للتعاون التي عادة ما توصف بطريقة مبالغ فيها كبديل عن الناتو.
وقال سينغ؛ إن دول مثل تركيا والسعودية ترى أن الاصطفاف مع دولة عظمى يزيد من المنافع ويحميها من سلوك الدول العظمى الذي لا يمكن التكهن به. وهذا التحوط واضح في الشرق الأوسط، حيث لا يعرف مستقبل الصين والولايات المتحدة ومشاركتهما طويلة الأمد فيه، وحيث يشعر أقرب حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة من القلق بشأن السياسة المحلية الأمريكية.
وحذر من أن هذه المواقف لن تكون بدون ثمن، إذ قد تخسر الدول صفقاتها مع الولايات المتحدة، وبشكل خاص ما يتعلق بالأسلحة، مشيرا إلى أن حتى "إسرائيل" التي تعدّ من أهم حلفاء أمريكا، شاهدت كيف أصبحت علاقاتها مع الصين وروسيا بالنسبة لواشنطن، أهم من إيران والفلسطينيين وأصبحت مجالا للاحتكاك.
وبحسب الكاتب، فإن على صناع السياسة الأمريكية، البحث عن طرق لزيادة الفرص للشركاء المحتملين، وجعل التحالفات مهمة للشركاء بطريقة لا تجعلهم يبحثون عن بدائل.
وعليها أيضا التركيز على تحالفات أصغر من تجمعات مثل جي20 أو تجمع الديمقراطيات، والتركيز على تحالفات أصغر، معتبرا أن تحالفات كهذه قد تخدم المصالح المشتركة المتعلقة بالأمن والبنى التحتية.
وعلى الولايات المتحدة العمل مع الشركاء القائمين لترسيخ القيم المشتركة مثل الخصوصية الرقمية وتصدير التكنولوجيا، وزيادة الحوافز للشركاء غير الحلفاء والامتثال بما تفضله واشنطن. ومن المتوقع أن يستجيب الشركاء لمطالب أمريكا رفض تعاون مع الصين أو روسيا، إن كانت المطالب تعكس المصلحة المشتركة وتقدم منافع بدلا من كونها أوامر. وعلى الولايات المتحدة انتقاء معاركها ومعرفة أن ما تفكر به لا يعكس بالضرورة طريقة تفكير حلفائها.
فقد فشلت واشنطن فهم أن الرياض ترفض التدخل في سياساتها النفطية، وهو ما قاد إلى قرار أوبك+، وعليها أن تتجنب النرجسية في التعامل مع شركائها والتهديد بتداعيات لتكتشف أنها لا تستطيع القيام بها.
ففي عام 2015 طلب باراك أوباما من الحلفاء تجاهل البنك الآسيوي للاستثمار، الذي أنشئ برعاية صينية ليرفض طلبه حتى من أستراليا وبريطانيا. وفي النهاية لم تفعل الإدارة شيئا للرد. وعلى واشنطن مناشدة حلفائها عندما تكون مطالبها واقعية ومستعدة لفرض تداعيات لا يستطيعون فرضها.
وفي النهاية، على الولايات المتحدة رعاية تحالفات دائمة ومستقرة وحتى مع دول غير ديمقراطية. ويجب أن يكون تركيزها على مواجهة الصين وروسيا، والاعتراف أن التقدم في الموضوعات الأخرى سيكون بطيئا، وقد اتهم كولين كال، مساعد وزير الدفاع للسياسة الصين بأنها تقوم ببناء علاقات تعاقدية وضيفة، وتخدم مصالحها التجارية والجيوسياسية. ولكن الأمر يصدق على أمريكا التي تهتم بمصالحها، ورغم تأكيد بايدن الصراع بين الديمقراطية والاستبداد، إلا أن مرحلة التنافس الأخيرة لن تحمل أيّا من ملامح الصراع الماضي مع أو ضد.