قد تكون حكومة نتنياهو ديمقراطية لكنها بالتأكيد غير شرعية، حيث تضم أفراداً أقل ما يمكن وصفهم بأنهم "غير شرعيين" لأنهم "مستوطنين"، ولا يمكن قبولهم أو التعامل معهم بشكل فردي. سيرد البعض إن هذه الشخصيات، رغم تطرفها، انتخبت ديمقراطيًا واكتسبت شرعيتها من خلال صناديق الاقتراع. يستمر الجدل بين الديمقراطية والقانون الدولي, هنا نذكر ان المجتمع الدولي يمتلك سيناريو déjà vu عندما رفضوا الديمقراطية التي أخرجتها صناديق الاقتراع التشريعية الفلسطينية التي جلبت حماس إلى السلطة.


هناك اختلافات بيت رؤساء الوزراء بين يائير لابيد ونفتالي بينيت وبيبي نتنياهو، لكنهم حميعاً متشابهون في التطرف الصهيوني اليميني، في سياساتهم العنصرية وتوجهاتهم الاستعمارية. من الطبيعي أن يكون لتورط عدد من المستوطنين المتطرفين والإرهابيين في هذه الحكومة نتائج سلبية على دولة الاحتلال. سيظهر الوجه العنصري والإجرامي الحقيقي للدولة المحتلة على سطح ما يسمى بديمقراطية الشرق الأوسط. من المتوقع أن يقول أعضاء المجتمع الدولي كلمة الحقيقة ومواجهة تلك الشخصيات العنصرية ورفض التعامل مع أي حكومة بمثل هذا الشمول المتطرف. الاستيطان غير مقبول وغير قانوني، ويعتبر الإجماع الدولي المستوطنات عقبة أساسية أمام عملية السلام. دخول هؤلاء المستوطنين للحكومة المقبلة يحمل نفس الطابع غير القانوني، وهذا الخطاب يجب أن يكون واضحا وصريحا. وهنا نتذكر موقف أعضاء المجتمع الدولي الذي قاطع في الماضي أي حكومة فلسطينية شكلتها حماس المنتخبة ديمقراطياً!


نتنياهو لا يحمل صفة مستوطن مثل نفتالي بينيت أو وزراء حكومته المرتقبة مثل بن غفير أو سموتريش على سبيل المثال لا الحصر، ونتيجة لذلك، قد يُنظر إلى نتنياهو على أنه أقل تطرفاً. الحقيقة أن نتنياهو أثبت للعالم مرارا وتكرارا وعلى مدار حكومات متعاقبة أنه لا يؤمن بالسلام السياسي، فهو رجل الضم والاستيطان الفعلي على الأرض بامتياز. إيمانا منه بمبدأ "فرق تسد" تبنى نتنياهو استراتيجية الفصل والضم، حيث يعتمد على فصل الفلسطينيين، سواء بين غزة والضفة الغربية من جهة، أو بين القدس والضفة الغربية من جهة أخرى، وسياسته هي الاستمرار في الضم ومصادرة الأراضي بطريقة عملية de facto ويومية ومنظمة تفرض على الأرض "بحكم الأمر الواقع" تحت مظلة الفصل العنصري والابارتهايد ضد كل ما هو غير يهودي، والتي تتوازن مع التهجير القسري، والاستيطان، وخطط المصادرة وعزل القدس، خدمة للمشروع الاستعماري الاستيطاني.


عودة نتنياهو تعني عودة مكثفة لجهود السلام الاقتصادي. اتفاقيات التطبيع (إبراهام) وصفقة القرن ستتربع على العرش! اتفاقيات التطبيع التي دبرها نتنياهو في الماضي ستأخذ شكل مشاريع اقتصادية استراتيجية للغاز وبدائل الطاقة وغيرهما، وفق المدرسة البراغماتية القائمة على مصالح الدول في المقام الأول. وتبقى الحقيقة غير محل خلاف في أن استبدال المسار الاقتصادي بالمسار السياسي قد يخدم مصالح الدول، لكنه لن يجلب السلام للمنطقة. تستلزم مدرسة المفاوضات القائمة على الفائدة (المصالح) المتبادلة التعاون، ولكن من المهم لأولئك الذين يحرصون على إحلال السلام في المنطقة أن يتذكروا أن الدول العربية مع مبادرة السلام العربية وعدت بالتطبيع الكامل مع إسرائيل من قبل جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية!


هذه الحكومة لا ترى الفلسطينيين كبشر، ولا تعترف بحقوقهم السياسية أو الإنسانية ولا تؤمن بأي دولة فلسطينية. بالمقابل، الولايات المتحدة الأمريكية تطالب بإجراءات متساوية من الحرية والأمن والفرص والعدالة والكرامة، والاتحاد الأوروبي يدعو للشرعية وحل الدولتين، ولكن رداً على تشكيلة الحكومة الجديدة تختار الدول الأعضاء الانتظار!! موقف المجتمع الدولي ليس بجديد, أقرت إسرائيل مشروع قانون الدولة اليهودية لعام 2018، وها هي دولة الاحتلال ترتكب جرائم موثقة ضد الإنسانية تحت مظلة الاحتلال، ومع ذلك تتمتع إسرائيل بالإفلات من العقاب. عندما يُكافأ العنف، لا يمكن إلا أن يزداد الوضع سوءًا، وبالتالي سنشهد التصعيد في الشارع بسبب عنف المستوطنين وجنود الاحتلال، الإعدام الميداني، والقتل خارج نطاق القضاء، وعنف الدولة المنظم على أقل تقدير. وهذا يرقى إلى مستوى جرائم الحرب. وتطالب القيادة الفلسطينية برفض صريح للتعامل مع هذه الحكومة التي تضم شخصيات متطرفة شهدنا جرائمها الموثقة.


قريباً ستطرح قضية الاحتلال المطول على محكمة العدل الدولية وتحديد الاحتلال كمسألة قانونية سيخلي الفلسطينيين من مسؤولية حل النزاع عبر أداة التفاوض وحدها، وسيخرج التحكيم والآليات القانونية الأخرى الى السطح قريباً! استلهاماً من تفكير نتنياهو البراغماتي وفيما يتعلق بتسويات السلام الإقليمية والتعاطف الاستراتيجي في تحقيق الأمن والأمان للبشر في المنطقة، قد يتساءل المرء عما إذا كان نتنياهو يريد إحلال السلام والأمن لشعبه من خلال التطبيع، أليس الفوز أكبر بكثير إذا ما طبع مع أكثر من 22 نظامًا عربيًا بدلاً من ذلك؟ نذكر هنا أن نتنياهو سيد الدبلوماسية القسرية وتوصل إلى اتفاقيات تطبيع مع الإمارات والأنظمة العربية الأخرى وأقنع تلك الدول أن علاقاتها مع إسرائيل ستوقف الضم! ويتساءل المرء ما إذا كانت الدول العربية الكبرى الأخرى قد تنضم الآن بذريعة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟