كتب رئيس تحرير صدى نيوز: تملأ شعاراتنا الأرض طولاً وعرضاً، ونؤمن بصدورنا أننا أصحاب قضية عادلة، وأن الاحتلال الإسرائيلي مجرم، وأن الحق كل الحق معنا، فنحن أصحاب الأرض، لكن صورتنا خارج حدود فلسطين التاريخية مختلفة!
خارج فلسطين وحدودها يُصبح صاحب الحق مجرماً والمجرم ضحية! فتصطف الدول وسفاراتها وسياسيوها وحتى جزء كبير من شعوبهم خلف الرواية الإسرائيلية التي نجحت في قلب الموازين وتغيير المفاهيم، وتسويق الرواية الاسرائيلية في عقول العواصم والمكاتب الرئاسية، في وقت يخاطب فيه الفلسطينيون العالم بلسان مقطوع، ورواية هشة شبه غائبة، رغم السفارات المنثورة في غالبية الدول.
تشير القرارات الأممية والتصويت الذي يجري عليها إلى كارثة حلت بالرواية الفلسطينية والتي انعكست على مواقف دول العالم، خصوصاً الأوروبية منها وحتى الإفريقية، فبعد أن كانت القرارات التي تصب في مصلحة فلسطين تؤيدها غالبية الدول، بات العكس هو سيد الموقف، وبات التأييد العالمي "السياسي" لفلسطين يقل رويداً رويداً، حتى وصلنا إلى وقت ترى فيه أوروبا وبعض دول العالم بأن عدداً من الفصائل الفلسطينية إرهابية وأن المنهاج الفلسطيني يحرض على العنف وتناسوا التحريض في المنهاج الاسرائيلي.
أوروبا تقول هذا؟ نعم أوروبا التي ما يزال يتغزل فيها سياسيونا، ويطالبونها بالضغط على إسرائيل لإنهاء جرائمها، هي نفسها أوروبا التي يقول سياسيونا إن العلاقة معها ممتازة، ويرون منهاجنا الذي يعكس نضالنا وإرثنا وتاريخنا محرضا على العنف؟!
أين مئات السياسيين الفلسطينيين من وسائل الإعلام الأجنبية؟ كم هي نسبة ظهورهم عليها؟ بل كم هي نسبة المتحدثين بالإنجليزية "بطلاقة" من بينهم ليخاطبوا العقل الأوروبي والشارع الأوروبي؟ أين السفارات والسفراء من التأثير في القرار الأوروبي؟ ولماذا تنفق كل هذه الأموال إذا لم تستطع الترويج لقضيتنا!؟
أين البث الإعلامي الفلسطيني بكل لغات الأرض لفضح جرائم إسرائيل التي قتلت الأطفال والنساء الابرياء؟!
كل ما سيق سابقاً دليل واضح على تقصير السياسيين والمسؤولين بحق القضية والرواية الفلسطينية، فلا يكفي أن تكون صاحب حق، عليك أن تكون ماهراً في إقناع العالم بأنك صاحب الحق، خصوصاً مع تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا وغيرها من القارات.
غياب الرواية الفلسطينية سبب لتراجع التأييد الدولي، وسبب لزيادة التأييد للاحتلال، وعلى الرغم من أن تل أبيب بارعة في الترويج لنفسها ولروايتها اضافت منذ زمن طويل هيئة متخصصة تعمل على شرح وتعميم الرواية الاسرائيلية للعالم.
في الشارع الفلسطيني ألف قصة وقصة لصنع وترويج روايتنا، لكننا "نرقص في العتمة"، يخرج سياسيونا ببيانات إدانة وشجب واستنكار، تعرض على وسائل الإعلام المحلية فقط كأننا نتحدث الى أنفسنا، فيما تكاد البيانات الصادرة بالانجليزية تختفي تماماً من قواميس السياسيين.
قضية استشهاد الطفلة جنى زكارنة في جنين والطفلة فلة مسالمة في بيتونيا وقتل الأخوين من عائلة مطير في قلنديا مرت على العالم مرور الكرام دون أي محاسبة للجناة ومثلهم الكثير، لأننا فشلنا في الترويج لها وحفرها في عقول العالم!
القضية العادلة تحتاج لمحامٍ ذكي للدفاع عنها، وخسارة القضية العادلة لا يعني التخلي عنها بل التخلي عن المحامي الفاشل، وهذا يجرنا إلى أننا بحاجة لإجراء تغيرات شاملة في صفوف السياسيين والجهات التي من مهامها الترويج لقضيتنا دولياً!
نحن بحاجة لمسؤولين يوضحوا ويشرحوا ويقدموا رواية شاملة متكاملة حول كل قضية او حدث، يتبعها إعلام رسمي وحتى خاص ينشر ويعمم، يتبعها سفارات تنشر وتعزز الرواية عبر وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات بالمسؤولين الأجانب ومؤسسات المجتمع الدولي.
لا يكفي لصنع رواية قوية أن نستنفر لحدث معين ثم نفتر مجدداً، الرواية القوية بحاجة إلى إعداد وتخطيط واستمرارية، بحاجة إلى عقل استراتيجي، وفهم للعقل الأوروبي، وليس شعارات وارتكان للتاريخ.