رام الله - صدى نيوز-
أحمد برقاوي- يميل العقل الكسلان إلى عدم الاشتغال بأسئلة مآلات الوقائع عقلياً، فينظر إلى الظواهر التي نشأت في ظروف قابلة للتغير على أنها ظواهر دائمة، حتى لو نشأت شروط جديدة تعلن عن لا معقوليتها، وانتهاء مبررات وجودها.
من هذه الظواهر المتناقضة مع منطق التاريخ وحركته وحاجات البشر في حياة خالية من العنصرية والتعصب الديني والطائفي والجهل والعنف: إسرائيل والدكتاتورية والحركات الأصولية الدينية العنفية كأحزاب الله وأنصار الله وما شابه ذلك، والحركات الأصولية العنفية كالقاعدة وداعش والإخوان وما شابه ذلك.
وأنا أطلق على كل هذه الظواهر المفسدة للتطور الطبيعي للحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للعرب اللامعقوليات التاريخية.
فالمعقول التاريخي هوما يتطابق مع العقل، والعقل بالأساس هو المعبر عن حركة التاريخ الطبيعية الواقعية. وكل ما هو متناقض مع المعقول التاريخي ويعيق مساره ينتمي إلى اللامعقوليات التاريخية التي هي نوع من الإرادة التي لا تفكر، وسأحاول في هذه المقالة ومقالات لاحقة أن أكشف عن هذه اللامعقوليات واحدة تلو الأخرى وتبيان خطرها على مستقبل بلادنا.
وسأبدأ بظاهرة حزب الله في لبنان التي يرأسها حسن نصرالله، ما هو حزب الله هذا؟
الدولة العربية الوحيدة التي تكونت على أساس طائفي بعد الحرب العالمية الأولى هي دولة لبنان الكبير. ولقد وافقت النخبة السياسية العائلية والإقطاعية آنذاك على صياغة العقد الوطني اللبناني على أساس طائفي لاقتسام السلطة بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين على اختلاف طوائفهم وشيعهم. ومازال هذا العقد سارياً في الشكل حتى الآن وقد تجدد وحافظ على ماهيته باتفاق الطائف، الذي أنهى عقدين من الحرب الطائفية المدمرة، ولكنه لم ينه آثارها المستمرة إلى الآن.
واتسمت أغلب الأحزاب السياسية اللبنانية بالصبغة الطائفية حتى ولوكان بعضها ذَا أهداف غير طائفية. ولم يتأسس أي حزب طائفي شيعي قبل عام 1974، وكانت حركة أمل أول حركة طائفية شيعية وقام موسى الصدر بتأسيسها كحركة مقاومة.
في أوائل الثمانينات تأسس حزب الله اللبناني بدعم من إيران وبأيديولوجيا تتبع ولاية الفقيه. وباعتراف نصرالله فإن أموال حزبه وتسليحه وتدريبه إنما تأتي من إيران. وأضحى حزب الله ذراعاً لبنانياً طائفياً لحرس الثورة الإيراني، ومع احتكاره للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للجنوب بعد أن صفى المقاومة الوطنية اللبنانية التي تأسست من الشيوعيين والقوميين السوريين والبعثيين والناصريين، وبعد انتهاء الميليشيات الطائفية المسيحية والدرزية أصبح حزب الله القوة العسكرية -الميليشياوية الوحيدة في لبنان. بل هو أكبر ميليشيا في العالم بالنسبة لعدد السكان ولعدد أفراد الجيش، حين حاولت الحكومة اللبنانية ممارسة سيادتها القانونية في مايو 2008 في قضايا الاتصالات والمطار قامت ميليشيات الحزب باحتلال وسط بيروت في السابع من الشهر الخامس.
مع وجود حزب الله في لبنان تعيش لبنان ظاهرة خطيرة تؤسس لانفجار المجتمع اللبناني عاجلاً أم آجلاً. والظاهرة هي ازدواجية السلطة في لبنان، سلطة العقد الطائفي القديم العاجزة عن ممارسة سيادتها، وسلطة حزب الله غير الخاضعة لسلطة الدولة. فلديه خمسون ألف مسلح نصفهم متطوعون والنصف الآخر احتياطي. جميع الأموال التي تأتي إلى حزب الله من إيران غير خاضعة للرقابة، الأسلحة التي تدخل لبنان من إيران لا سلطة للدولة عليها، حزب الله يملك قرار الحرب والسلم في لبنان، ويشارك في القتال خارج حدود لبنان وخاضع خضوعاً مطلقاً لأهداف حرس الثورة الإيراني. كل ذلك يجعله الدولة القوية داخل الدولة العاجزة. هذا الحزب لم تعد هويته لبنانية، بل ذو هوية إيرانية تتبع ولاية الفقيه، وهذا لا ينكره حزب الله.
وبناء على ما سبق فإن حزب الله يسعى عبر قوته العسكرية وما يتلقاه من دعم إيراني مطلق على إبقاء الشروط التي تجعله القوة الوحيدة في لبنان. ولا يتوانى هذا الحزب عن فعل أي شئ في سبيل ذلك كقتله للحريري ورفاقه وقتل معارضي سياسته من النخبة السنية والنخبة المسيحية.
من حيث المعقولية التاريخية لا يمكن أن تستمر دولة على وجه الأرض الآن في ازدواجية كمثل هذه الإزدواجية في السلطة. فوجود طائفة قاهرة لغيرها من الطوائف وتشكل أقلية بالنسبة لعدد السكان سيؤسس لانفجار حرب أهلية بالضرورة. وفي الحروب الأهلية لا منتصر في العادة.
ومع تنامي الشعور العربي بالخطر الإيراني وما ظهر منه في العراق وسوريا واليمن ولبنان ووضع استراتيجية مواجهة لهذا الخطر، فإن المواجهة العربية ستكون بالضرورة مع حزب الله بوصفه ذراعاً إيرانياً صرفاً.
وأمام حزب الله خياران لا ثالث بينهما: إما أن يتحول إلى حزب سياسي كباقي الأحزاب اللبنانية الأخرى، ويغير من اسمه الأصولي العنفي فيتقي لبنان شر الصراعات الداخلية. أو يدخل حزب الله المعركة في تحالف مع إيران ضد الهوية العربية والمصالح العربية، ولكنه في معركة كهذه لن يكون رابحاً في النهاية.
ولعمري بأن حركة التاريخ العربي المعاصر غير قادرة بأي حال من الأحوال على تحمل وجود ظاهرات أصولية -عنفية أوغير عنفية، وهي بالضرورة إلى زوال.
البيان الاماراتية