هل ما زال بنيامين نتنياهو يؤيّد حل الدولتين للصراع مع الفلسطينيين، وهل أيّده أصلًا؟ طرح هذا السؤال مجدّدًا في ضوء عودة نتنياهو إلى سدّة الحكم في إسرائيل على رأس حكومة سادسة تحت زعامته، وإعلان الإدارة الأميركية مرّة أخرى تبنّيها هذا الحل.

وقبل ذلك، عاد إلى صدارة الاهتمام في أيلول/ سبتمبر 2022، حين كرّر رئيس الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها، يئير لبيد، هاتين الكلمتين: حلّ الدولتين، في الجمعية العامة للأمم المتحدة. في ذلك الوقت، أشار بعضهم إلى أن نتنياهو، في عام 2009، وكان رئيسًا للحكومة، وقف في جامعة بار إيلان وعرض حلّ الدولتين. وفي 2016، وعلى منبر الأمم المتحدة، كرّر عرضه، وقال إنه لا يزال يلتزم برؤية الدولتين.

حدث هذا كله فعلًا على المستوى الخطابيّ. ويبقى الأهم في ما إذا يُترجم، وهو ما سنتوقف عنده مع عودة نتنياهو... ما يحضر، بادئ ذي بدء، أنه في سياق أول خطاب ألقاه نتنياهو بوصفه رئيسا للمعارضة في الكنيست، لدى تصويت هذا الأخير على منح الثقة للحكومة السابقة، يوم 13/6/2021، اعتبر أن ثمّة تحدّيًّا ثانيًا تقف هذه الحكومة أمامه، ولن تفلح في اجتيازه، بحسب زعمه، هو الحؤول دون إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وذلك بعد التحدّي الأول المتمثل في إيران وملفها النووي. وأكّد أن أكثر ما ينبغي أن يعني سياسة إسرائيل حيال مسألة فلسطين هو منع قيام دولة فلسطينية تهدّد دولة الاحتلال بأفدح الأخطار، ولفت إلى أن الإدارة الجديدة في واشنطن شرعت في استئناف جهودها الرامية إلى تحقيق هذه الغاية، وهي تُطالب بتجميد الاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس. ومع أنه قصد بهذا أن يغمز من قناة الحكومة الجديدة التي ادّعى أن "أغلبية واضحة فيها تؤيد إقامة دولة فلسطينية"، فإنه لمح جهارًا بهدف رئيسيّ له طوال فترة حكمه، ما يوضّح أن السعي إلى بلوغ هذا الهدف وقف في صلب سياسته.

وفي أواخر آب/ أغسطس 2022 بموازاة إعلان القائد السابق للجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، دخول المعترك السياسي، نشرت صحيفة "هآرتس" على لسان مصدر أمني رفيع المستوى أنه لدى تسلم أيزنكوت منصبه العسكري هذا في شباط/ فبراير 2015 طلب منه رئيس الحكومة، نتنياهو إعداد مسوّدة لخطّة عمل إستراتيجية في الساحة الفلسطينية، عرضها لاحقًا أمام اجتماع خاص بحضور رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقادة الجيش والأجهزة الأمنية ومجلس الأمن القومي.

وجاء في أول بنود المسودة أن "سياسة الحكومة هي دولتان لشعبين". فقاطعه وزير الدفاع، موشيه يعلون ونتنياهو، بنفي ذلك، وأقرّ الأخير بأن ما ورد بهذا الشأن في "خطاب بار إيلان" استهدف الهروب إلى الأمام من الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما.

وحيال ذلك، أكد أيزنكوت أنه اقتبس تلك العبارة من أول بنود وثيقة بعنوان "تقدير الموقف القومي لعام 2015" مكتوبة في مطلع ذلك العام من مجلس الأمن القومي في ديوان رئاسة الحكومة، وممهورة بتوقيع رئيس هذا المجلس، يوسي كوهين، والذي كان موجودًا في الاجتماع، وأكد أنه كتب البند بتوجيه من نتنياهو، فما كان من الأخير إلا أن أنكر هذا، وطلب من كوهين جمع كل نسخ هذه الوثيقة التي أرسلت إلى جهاتٍ عديدةٍ وإبادتها.

هاتان واقعتان من وقائع عدة تثبت أن نتنياهو أحد أنصار "أرض إسرائيل الكبرى" الذين يعارضون قيام دولة فلسطينية، ولكن ليست لديه أدنى مشكلة في عدم المجاهرة بهذه المعارضة بموازاة عدم التصريح بأن وجهته هي نحو ضمّ أكثرية أراضي الضفة الغربية، لإدراكه الثمن الباهظ الذي يمكن أن يترتب على ضمٍّ كهذا في الساحة الدولية. وبغية إبقاء هذا المنع ساري المفعول، يبني نتنياهو سياسته على ركيزتين: عدم الدخول في مفاوضات جوهرية مع الجانب الفلسطيني، وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة منذ 1967 من خلال توسعة الاستيطان.