في الوقت الذي تستعر فيه الحملة التهويدية لمدينة القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ، وفي الوقت الذي تتعرض له المدينة من ممارسات مخالفة لكافة القوانين والاعراف الدولية ومحاولات تغيير الوضع التاريخي الذي تتمتع به ، وفي الوقت الذي يواجه فيه المقدسيون تحديات خطيرة تهدد وجودهم في عاصمتهم الابدية ، وفي الوقت الذي تتظافر فيه الجهود الوطنية وبتوجيهات وتعليمات من الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية لتوحيد الصفوف وتعزيز النسيج الوطني في المدينة المقدسة ، للتصدي ومواجهة الاجراءات الاحتلالية الاسرائيلية التعسفية ، تحت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، فوجىء ابناء المدينة المقدسة بمن يحاول خلخلة النسيج الوطني وبعثرة الاوراق والخروج عن الاجماع الوطني المتمثل بقرار المجلس المركزي الفلسطيني في دورته ال 31 والذي أكد على ضرورة توحيد المرجعيات المختلفة بالمدينة برئاسة دائرة القدس في منظمة التحرير الفلسطينية .
هذا القرار وحتى ان كان متاخرا الا انه من دون شك خطوة بالاتجاه الصحيح ، ومحاولة جادة من القيادة لدعم القدس واهلها ضمن استراتيجية وطنية في مواجهة الاستراتيجية الاسرائيلية ، تقوم على ربط المواطن المقدسي بقضيته الوطنية وتستجيب لحاجاته بما يخدم مشاريع مدروسة تهدف الى تعزيز صمود المقدسيين ومؤسساتهم على اختلاف وظائفها ، وتبني رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وخطط عملية مدعومة معنويا ومالياً لمواجهة سياسة التهويد والضم ، واعادة قضية القدس الى سلم الاولويات الاقليمية والعربية والدولية وحشد جميع القوى لكشف زيف الادعاءات الاسرائيلية والتي رفضته الشرعية الدولية في اكثر من مناسبة والتاكيد على الوجود العربي الفلسطيني في المدينة المقدسة وتعزيزه بتعزيز صمود المقدسيين ، وهو ما تجلى بوضوح في مخرجات القمة العربية الاخيرة بالجزائر والتي اكدت على مركزية القضية الفلسطينية وضرورة مواصلة الجهود لحماية القدس ومقدساتها والدفاع عنها تصديا لمحاولات التهويد والأسرلة ، عبر اجراءات تغيير ديموغرافيتها وهويتها العربية الاسلامية والمسيحية والوضع التاريخي القائم فيها .
ولكن وفي خضم العمل الوطني الجماعي تنفيذا للقرار الوطني الفلسطيني والذي بدأ يؤتي ثماره بتنظيم تظاهرة عربية كبيرة الشهر المقبل في القاهرة دعما للقدس وأهلها ، جرى الترتيب لها من المرجعيات المقدسية وبتعليمات وتوجيهات الرئيس ابو مازن وبالتنسيق والتعاون المشترك ومؤسسة الرئاسة ووزارة الخارجية وبحضور رسمي عربي رفيع المستوى ، قد تعود بفائدة كبيرة على المقدسيين حيث يأتي تحت عنوان " مؤتمر القدس 2023" تعزيز صمود ، تنمية واستثمار" ، ضجت الاجواء المقدسية بمن يصر على العمل منفردا وبعيدا عن العمل الوطني الجماعي ومن دون خطة استراتيجية واضحة المعالم ، وبخلاف القرار الوطني بما يتعارض والمصلحة المقدسية الوطنية العليا ، ودون اعارة اية اهمية للاعتبارات الوطنية ، وعدم الاخذ بعين الاعتبار التحديات الخطيرة التي تواجهها مدينة القدس واهلها على محمل الجد ، والاصرار على التمسك بمسميات ولجان باتت من الماضي ولا وجود لها عمليا ، لا لغرض ، الا وكما يبدو لتعارضه ومصالح فئوية او ذاتية ، ما من شأن ذلك ان يؤثر سلبا على الجهود الرامية الى حشد الطاقات العربية لاجل مدينة القدس .
إن الاصرار على مثل هذا السلوك يعتبر خروجا عن الاجماع الوطني وتنكرا لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وتضحياتها الجسام التي قدمتها على مر العقود ، ومحاولة للالتفاف على وحدانية تمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني في وقت تقف فيه القضية الفلسطينية على مفترق طرق خطير وتتعرض لمحاولات تصفية ، ويشكل ايضا فرصة ذهبية للمتكالبين على المنظمة لتجديد محاولات الانقضاض عليها ، وبكل الاحوال لا يستفيد من هذا كله سوى الاحتلال الاسرائيلي الذي لا يقف متفرجا انما يعمل على تأجيج الخلاف ونفث السموم وبث الفتنة لتمرير مخططاته الخبيثة والنيل من القيادة الفلسطينية والقدس واهلها .
ان محاولات الخروج عن الاجماع الوطني وفي مثل هذه الظروف الحالكة التي تمر بها مدينة القدس على وجه الخصوص والقضية الفلسطينة على وجه العموم ، وفي مثل هذا التوقيت الحرج ايضا والذي يدعو الى الوحدة الوطنية ورص الصفوف ، لا يمكن تفسيره الا انه ضربا من ضروب الاستخفاف والاستهتار سواءا عن قصد او عن غير قصد ، وسلوك مخالف للاعراف الفلسطينية ويعتبر تحديا ليس للاجماع الوطني وقفزا عنه وحسب ، انما ايضا تحديا للاجماع الشعبي المقدسي والفلسطيني المتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا له ، ويساهم في الفرقة ولا مبرر له ، وياتي متقاطعا والاجندة الاسرائيلية ومتماشيا وسياسات الاحتلال الرامية الى بسط السيطرة الكاملة على المدينة وتطويع اهلها ، وهو امر مرفوض جملة وتفصيلا ولا يمكن لعاقل كابد من ويلات الاحتلال الاسرائيلي وما زال تقبله ، وبحاجة الى تدخل العقلاء من ذوي الحس الوطني لتفاديه واعادة القطار الى سكته الصحيحة .
الامر جد خطير وبات بأمس الحاجة الى الضبط مركزيا ومن سدة الهرم والتمسك بالرؤية الوطنية المجمع عليها ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية ، والتأكيد على ضرورة ان يكون ملف القدس بيد منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما كان في عهد الراحل فيصل الحسيني ، وحل كل ما يتعارض وقرار المجلس المركزي الفلسطيني من لجان عاملة في مدينة القدس وحولها ومنع تشكيل أي لجنة تتضارب والقرار الوطني وتوسيع نطاق العمل ليسع جميع الجهات الفاعلة والناشطة في المدينة المقدسة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية ، والإستعداد لمواجهة تداعيات التحديات الاسرائيلية من مبدأ الدفاع عن الوجود وحماية المستقبل الفلسطيني في مواجهة التطرف الايدولوجي الاسرائيلي المتجدد والمتصاعد .