وجب التأكيد بداية وبعد تقديم التهاني لإخواننا الأرمن بفلسطين والأصدقاء منهم حول العالم في ذكرى ميلاد السيد المسيح وفق تقويمهم ، والذي تنطلق الاحتفالات به غداً ١٨ كانون الثاني من كنيسة المهد في بيت لحم بمشاركة الأخ الرئيس أو من ينوب عنه ورئيس واعضاء اللجنة الرئاسية العليا لشوؤن الكنائس بفلسطين كما في كل عام ، وذلك بعد الانتهاء من احياء احتفالات الميلاد المجيد وفق التقويمين الغربي والشرقي خلال الأسابيع الماضية ، بأننا نحن الفلسطينين الذين ما زلنا ضحية الظلم التاريخي الأستعماري بحقنا منذ عام ١٩١٧ ، نقف وفق سياساتنا الثابتة ضد الأعتداء على الشعوب واراضيها ومع نصوص القانون الدولي وتطبيق القرارات الأممية لحل النزاعات وفرض السلم والأمن الدوليين أينما كان في هذا العالم على قاعدة وحدة اراضي الدول وسيادتها وحرية وحق شعوبها في تقرير المصير .
أما دولة الأحتلال الأستعماري الإسرائيلي التي ترى في نفسها دولة فوق القانون، فهي ترغب في أن تكون جزء من أي لعبة سياسية توسعية في هذا العالم ، وهي فعلاً تريد او عليها ان تكون بحكم دورها ومبررات نشأتها الاستعمارية وروايتها التوراتية المزعومة ، جزء من تنفيذ خطط سياسات التطرف والارهاب المنظم والتوسع وتغير الجغرافية السياسية بالمنطقة ومناطق اخرى بالعالم خدمة لاهدافها ولمنهج التوسع الأستعماري وأضطهاد الشعوب . فتتدخل حتى أمنياً وعسكريا في مناطق مختلفة من العالم في القوقاز وبالبلقان وأمريكيا اللاتينية وشرق المتوسط ضمن الدور المطلوب منها لإثارة الفوضى وتنفيذ تلك المخططات للمساهمة في خدمة نظام الهيمنة أحادي القطب الذي يتهاوى الآن بحكم سرعة المتغيرات الجارية بالعالم ، وهو ما يلخص موقفها من ما جرى بحق أرمينيا خلال السنوات الماضية .
الأرمن بالفترة الماضية كانوا قد وجهوا الاتهام لدولة الأحتلال الإسرائيلي بالمشاركة في جريمة الحرب التي تُرتكب بحق وطنهم الأصلي ، اتهام جديد اضيف الى التهم الموجهة لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي ارتكبت وما زالت المجازر وجرائم الاحتلال والفصل العنصري ضد شعبنا الفلسطيني منذ جريمة النكبة حتى اليوم ، مما يساهم هذا الاتهام الجديد في اسقاط رغبة إسرائيل في أن تبقى هي الضحية الوحيدة امام العالم وفق ما تدعيه هي من ارتكاب جرائم الأبادة الجماعية بحقها .
اذكر ان الأرمن الذين اتهموا دولة الأحتلال خلال العام الماضي بالمشاركة بالحرب ضدهم ، تظاهروا أمام سفارة إسرائيل في العاصمة اليونانية أثينا عندما كنت أقيم بها سفيراً لوطني ، تنديدا بسياسات دولة الأحتلال الإسرائيلي العدوانية الاجرامية ضدهم وضد شعبنا .
الأرمن كان عدد كبير منهم ومنذ تاريخ طويل يشكلون جزء من نسيج مجتمعنا الفلسطيني خاصة بالقدس ورام الله وبيت لحم ويافا ، كما السريان والأقباط وأعداد من اليونان والروس أيضا . فكان منهم من قضى شهيدا برصاص الأحتلال بالانتفاضة الكبرى ، ومنهم زملاء دبلوماسيين وسياسين و نشطاء بحركتنا الوطنية ، ومنهم من كانوا من الرعيل الاول للأطباء والصيادلة ، وكذلك من رواد الصناعات الفلسطينية ، كما كانوا من اوائل المصورين والصاغة والموسيقين في فلسطين . وهم اول من مارس صناعات الطباعة والصياغة والتصوير وصناعة البلاط في يافا والقدس ورام الله وحيفا . وقد تتلمذ على اياديهم الكثير من ابناء شعبنا ، ولهم بالقدس حي يُسمى باسمهم "حي الأرمن" . هذا الحي الذي رفض الرئيس الشهيد المؤسس أبو عمار التفاوض بخصوصه أو التنازل عنه في كامب ديفيد رغم كل الضغوطات ، معتبراً أسمه انذاك "ياسر عرفتيان" تأكيدا منه على هوية الحي الأرمني بالقدس والأرمن الفلسطينين والتصاقهم بقضايا شعبهم الفلسطيني والدفاع عنها.
هؤلاء هم الأرمن الذين عاشوا بيننا ومعنا، اعتبروا أنفسهم واعتبرناهم نحن جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، عانوا من المجازر والتشريد والتهجير وعانوا معنا مما عانيناه نحن ، وهو سبب يجعل الأرمن يتمسكون بوطنهم الأصلي «أرمينيا» كما وطنهم فلسطين ويحافظون على لغتهم وعاداتهم وثقافتهم أينما كانوا في هذا العالم بعد تشريدهم . وفي الوقت نفسه يعتزون هنا بأنهم فلسطينيون وجزء لا يتجزأ من المجتمع المقدسي تحديداً ، ولهم بطريركية خاصة بهم بالقدس حيث تمتد جذورهم في فلسطين إلى 1700 عام مضت، فهم فلسطينيون أباً عن جد يتمسكون بجذورهم.
ويبلغ عدد الأرمن في فلسطين الان حوالي 7000 نسمة يتوزعون بين القدس القديمة وبيت حنينا وشعفاط ورام الله وبيت لحم والمدن الساحلية في حيفا وعكا ويافا وفي الناصرة وقد جاءت المجموعات الكبيرة منهم إلى القدس ضمن هجرة واسعة الى بلاد الشام بعد تشريدهم من ديارهم الأصلية عام 1915 على أثر ما ارتكب بحقهم من مجازر الإبادة الجماعية وجرائم التطهير العرقي وفق روايات التاريخ ووقائعها ، والتي زادت من اعدادهم بفلسطين واندماجهم في مجتمعنا الإنساني الفلسطيني الفسيفسائي المتعدد .
ان ما قامت به بطريركية الأرمن في القدس الأربعاء الماضي ، باستبدال مسؤول العقارات فيها الأب باريت يريتسيان وتعيين الاب كوريون بغادسريان ، يفترض ان يشكل رافعة لحماية الأرض والهوية بالقدس .
فقد أكد المسوؤل الجديد "أنه سيقوم بإتباع سياسة مختلفة فيما يتعلق بعقارات الكنيسة خاصة في القدس ، مضيفا بأن “اولويتنا هي حماية كافة ممتلكات الكنيسة الأرمنية وسنقوم بذلك من خلال آلية تشاركية جماعية."
ان تعينه الجديد يشكل اهتماما بقضايا الأوقاف ويعكس رؤية تشير إلى ضرورة الحفاظ عليها من الضياع تحت مختلف المسميات كما اهمية الحفاظ على هوية المجتمع الارمني الفلسطيني . حيث تأتي هذه الخطوة بعد ما نشرته وسائل إعلام مختلفة سابقا حول صفقة تأجير طويلة الأمد لأرض تعود ملكيتها للبطريركية الأرمنية لبلدية الأحتلال بالقدس ، الأمر الذي آثار استياء شديدا بين ابناء شعبنا .
إن الأرمن انهمكوا على مدار العقود السابقة في أن يكونوا جسورا بين شعوب المنطقة خاصة بالمشرق العربي ، لكن سياسة الاحتلال الإسرائيلي تعمل على نسف الجسور الممدودة، ذلك أن سياستها واضحة تتمثل في الاعتداء على ممتلكاتهم واوقافهم بالقدس في إطار الاعتداءات المستمرة ضد المقدسات والأوقاف ومن اجل الاعتداء على هوية القدس التاريخية المسيحية والإسلامية و مواصلة الاستيطان الاستعماري بهدف فرض التهويد على المدينة المقدسة ومنع قيام الدولة الفلسطينية ومواصلة القهر ليس فقط ضد شعبنا الفلسطيني ، لكن ضد كل من تطالهم سياساتها الداخلية والخارجية الاجرامية.
هذا الاتهام أصبح مفتوحا ضد إسرائيل، ويزيد من عزلتها التي تعيشها أمام المجتمع الدولي وشعوبه .
وتواجه إسرائيل منذ فترة الانتقادات الدولية بسبب جرائمها وانتهاكاتها كدولة مارقة تنتهك حقوق الإنسان وتمارس القتل والاستيطان والتميز العنصري كدولة احتلال استعماري وابرتهايد اصبحت تنحدر اليوم الى مرحلة الفاشية . حيث لن تنقذها لا المشاركة في توسيع اعتدائاتها وطول يدها القذرة الضاربة او توقيع اتفاقيات التطبيع المذلة في محاولة منها للتهرب من استحقاق القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الاستيطاني ونظامه العنصري .
وكل عام وشعبنا أقرب إلى حريته ،،