بعد الزيارة التاريخية للرئيس الصيني شي جين بينغ  للعاصمة السعودية قبل أسابيع، ومشاركته في ثلاث قمم جمعته بكل من المضيف السعودي، ودول الخليج، والدول العربية، يواصل وزير خارجية الصين تشين غانغ، ما يمكن اعتباره سعياً صينياً لتعزيز حضورها السياسي الخارجي، وذلك من خلال قيام الوزير الصيني بجولة تشمل عدداً من الدول الأفريقية بدأها بالعاصمة المصرية ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.  
والصين، التي كانت حاضرة قبل وقت قصير في قمة العشرين، بل وكانت فاعلة، بإقرار أميركي، منعت خلاله محاولة واشنطن عزل روسيا دولياً، وما زالت تعتبر الدولة التي تكبح جماح الغرب بقيادته الأميركية، في محاولته إخضاع روسيا مجدداً للنظام العالمي أحادي القطب، وذلك كمقدمة للسير بعيداً باحتواء الصين القوة العظمى الاقتصادية والعسكرية التي تعتبرها الولايات المتحدة منافسها الرئيسي على زعامة العالم، تمنح الأمل للعديد من دول وشعوب العالم، بإرساء حالة من التوازن الدولي، تكبح جماح التفرد الأميركي القائم منذ ثلاثة عقود.
في القاهرة أكد الوزير تشين جانغ على اعتبار القضية الفلسطينية القضية الجوهرية للشرق الأوسط، وعبر عن قلق بلاده إزاء الوضع المتوتر في الأرض الفلسطينية، وأكد على ضرورة احترام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وقال إن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني لا يجوز أن يستمر إلى أجل غير مسمى، وبذلك تظهر الصين على غير الغرب موقفاً واضحاً مع القانون الدولي ومع العدالة الدولية، وهي بذلك وإن بشكل هادئ ودون تعجل، تريد القول بأنها ليست قوة اقتصادية وحسب، بل هي على طريق تفعيل حضورها الدولي، بما يخلق حالة من التوازن في السياسة الدولية، تضع حداً للانحياز الغربي، الأميركي خاصة في كثير من ملفات السياسة الدولية، وفي مقدمتها بالطبع الملف الفلسطيني، بما يحتويه من ملف الاحتلال الإسرائيلي كأهم ملف في الشرق الأوسط.
الحقيقة، أن ما يهم فلسطين وشعبها، وهذا أمر طبيعي هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، ومن ثم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، حتى يعيش الشعب الفلسطيني بحرية وكرامة مثل كل شعوب العالم، والحقيقة أيضا، أن تحقيق ذلك الهدف لم يحدث في ظل الحرب الباردة، التي أبقت على الصراع الكوني بين معسكرين، والتي تبعت الحرب العالمية الثانية، التي أقيمت إسرائيل كدولة بعدها، وعشية بدء الحرب الباردة، ورغم أن النظام العالمي أحادي القطب الذي دشن زعامة أميركا الوحيدة للعالم منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين الماضي، قد شهد بعد اندلاع حرب الخليج الثانية، بعد احتلال العراق للكويت، مؤتمر مدريد، ورعاية أميركية للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، التي بدأت بفعل انتفاضة الشعب الفلسطيني وليس بفرض أميركي، إلا أن النظام العالمي أحادي القطب، وفي ظل رعاية أميركا للتفاوض، لم يجترح الحل، ولم يضع حداً للاحتلال الإسرائيلي، وبذلك لم ينجح في وضع دولة فلسطين على خارطة الجغرافيا في الشرق الأوسط.
أي أن الشعب الفلسطيني يُعتبر واحداً من شعوب العالم التي لها مصلحة في إحداث حالة التوازن الكوني، بين أقطاب العالم المتعددة، بما يذهب بالعالم لأن يكون أكثر عدالة والتزاماً بالقانون الدولي، أكثر سلاماً وأمناً، ومساواة بين شعوبه ودوله، ورغم أن الشعب الفلسطيني، لم يقف ضد الغرب أو ضد زعامة أميركا للعالم، ورغم كفاحه المدني/السلمي والشعبي، وكذلك الدبلوماسي، الذي يُعلي من شأن وقدر القانون الدولي والمنظمة الدولية على عكس إسرائيل، إلا أن النظام العالمي، في ظل الزعامة الأحادية لها، أي أميركا، لم ينتصر له ولا لقضيته العادلة، إلا أن النظام العالمي أحادي القطب، أو أميركا بالتحديد لم تبق بثقلها لا لوضع حد للاحتلال، ولا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ذلك رغم أن انحياز أميركا لإسرائيل، وللحقيقة، لم يظهر فجاً كما كان الحال في ظل الحرب الباردة، إلا أنه لم يتراجع، بل لم يظهر الفارق، وكان هذا ممكناً بين انحياز أميركا لإسرائيل كدولة، وانحيازها لها كاحتلال وكحكومة يمينية متطرفة، رغم التباين النسبي بين الحزبين الديمقراطي، الذي لم يظهر الود كثيراً لحكومات بنيامين نتنياهو، والجمهوري الذي وصل لأوج غرامه بحكومات اليمين الإسرائيلي في ظل ولاية دونالد ترامب، التي انصاعت على عكس كل الإدارات التي سبقتها، وشرعت في تنفيذ قرار كونغرس قديم يوعز للإدارة بنقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس.
ويعود ذلك بتقديرنا، إلى أن هناك تشابهاً ما في طبيعة قيام «الدولتين»، أميركا وإسرائيل، لكن الأهم هو أنهما كلاهما، ما زالتا تتعلقان بما هو قديم من نظام عالمي، فإسرائيل نشأت في ظل الحروب الكونية، حيث بدأ الأمر بوعد بلفور، الذي أعد خلال الحرب العالمية الأولى، وأرسيت أساسات إقامتها بالهجرة اليهودية في ظل الانتداب البريطاني ما بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، حيث تخلل إعلان قيامها احتلالها لنصف ارض دولة فلسطين، ومن ثم توسعها واحتلالها لما تبقى من أرض تلك الدولة، رغم اشتراط الأمم المتحدة ضمن قرار انضمامها_أي دولة إسرائيل_ للأمم المتحدة، بإقامة دولة فلسطين، ومن ثم الحفاظ على ذلك الاحتلال في ظل النظام العالمي أحادي القطب، أي في ظل زعامة أميركا للعالم.  
أما أميركا فتتعلق بنظام عالمي ظالم، غير متوازن، ولا متعدد، شهدت ثلاثة عقود مضت خلاله اختلالاً في توازن العالم، ليس بين الدول وحسب، بل بين الطبقات، ففي ظل ذلك النظام  تحول الأثرياء من بضعة مليونيرات، إلى ما يتجاوز 50 مليونيراً، بل وشهد العالم على ظهور المليارديرات، يضاف لذلك التقدير الذي يشير إلى احتمال أن يظهر التريلوينير (أي الذي يمتلك ألف مليار دولار) الأول بعد أقل من عقدين من السنين، في ظل سيطرة نحو عشرة أفراد من البشر فقط على نحو نصف ثروة البشرية! والحقيقة أيضا أن العالم قد تخلص على حد كبير من الصراعات المشوبة بالحروب العسكرية، التي لو وقعت هذه الأيام فستكون مدمرة للعالم، بل قد تمسح الحياة عن وجه الكرة الأرضية، باستخدام السلاح النووي، وقد صار الاقتصاد أحد مصادر ومظاهر النفوذ والقوة، ولم يعد الأمر مقتصراً على القوة العسكرية.
لكن أميركا، كما حال إسرائيل، ستتغير من الداخل، في ظل المتغير الكوني، وإذا كانت إسرائيل تدفع بغلاة التطرف العنصري، للحفاظ على سيطرتها بوقف عجلة الزمن، فإن أميركا تواجه أحداثاً تهز أركان نظامها الديمقراطي/المستبد المقتصر على وصول أحد الحزبين فقط للحكم، وبشكل متداول، يكاد يكون بالتناوب، وهذا يستحق مقالا آخر، فأن يفوز كيفن مكارثي برئاسة الكونغرس، رغم أغلبية حزبه الجمهوري، بعد خمس عشرة جولة، بسبب عدم تصويت كتلة ترامب الجمهورية له، يعني انغلاق الحياة السياسية في الولايات المتحدة  على الحزبين التقليديين، بما يجعل منهما معاً «نظاماً مستبداً»، فالاستبداد لا يقتصر على حكم الأفراد، بل العائلات والقوميات والأحزاب أيضا، وهو انغلاق لم يعد ممكناً إلى مالا نهاية، وأن العالم قد ضاق ذرعاً بزعامة وحيدة أميركية له، تكاد تشبه نظام روما القديم، حين كانت الديمقراطية، أي انتخاب مجلس الشيوخ مقتصراً على النبلاء، دون عامة الشعب، فالأميركيون فقط ينتخبون «رئيس العالم»، في حين على شعوب الكرة الأرضية،   أن تقبل بنظام عالمي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، كما يزيد الأقوياء قوة والضعفاء ضعفاً، وهذا أمر معاكس ومضاد لمنطق الحياة.