يتضح مع الايام ومن خلال مجريات الاحداث المتصاعدة في مدينة القدس ودرتها المسجد الاقصى المبارك ، ان سلطات الاحتلال ومع تبوء اليمينيين المتطرفين سدة الحكم في دولة الكيان ، تسابق الزمن في محاولاتها الرامية الى تهويد المدينة وسائر مقدساتها الاسلامية والمسيحية ونقض الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع بعض دول الاقليم خاصة المملكة الاردنية الهاشمية ، وتغيير الوضع التاريخي القائم في المسجد الاقصى ، كمقدمة لالغاء الوصاية الهاشمية والتدخل السافر في شؤون دائرة الاوقاف الاسلامية في القدس والحد من عملها في ادارة شؤون المسجد .
وفي الوقت تخرج التصريحات من مسؤولي الاحتلال بان دولة الكيان ملتزمة بالحفاظ على الوضع القائم وليس التاريخي بالاقصى ، فان العكس تماما ما يجري على ارض الواقع ، وما الخطوة العنجهية التي اقدمت عليها شرطة الاحتلال ومنع السفير الاردني في تل ابيب غسان المجالي من دخول المسجد ، الا دليلا واضح الاهداف على هذه الممارسات المنافية لكافة الاتفاقيات الثنائية المرعية دوليا ، واستغلال واضح للموقف العربي المترهل والمهرول للتطبيع ودولة الكيان ، لفرض أمر واقع جديد ، تامل سلطات الاحتلال أن يجري التعايش معه من جميع الاطراف .
وما يؤكد ذلك اشتراط شرطة الاحتلال على السفير الاردني الحصول على اذن مسبق لما اسمته الزيارة وكأنه زائر غريب وليس بصاحب المكان ، واعلانها انها المسؤولة عن تطبيق القانون في الحرم القدسي الشريف وضمان الامن العام فيه ، كذلك تداول وسائل الاعلام الاسرائيلية النبأ بالاشارة الى اعادة السماح للسفير الاردني بزيارة ما اسمته " جبل الهيكل " .
ومعطيات مختلفة من ابرزها استصدرا اوامر منع بوليسة بحق شخصيات اعتبارية من دخول الاقصى لفترات كما تراها تناسبها ، كمنع سماحة الشيخ عكرمة صبري ، رئيس الهيئة الاسلامية العليا وخطيب المسجد الاقصى ، والشيخ ناجح بكيرات مدير المسجد ، وغيرهما من العاملين والنشطاء المحليين ، واستفزازات لا حصر لها تتعمد سلطات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين ممارستها ، من اخطرها اقامة صلوات تلمودية في ساحات المسجد ، وغيرها من العربدات التي اشبه ما تكون كمن يصب الزيت على النار ، ما يدلل ان الاقصى على وجه الخصوص ، ومدينة القدس على وجه العموم باتت على فوهة بركان قد ينفجر في كل لحظة ، وبكل تاكيد هذه المسالة ما هي الا بما انها مؤشرللنوايا الشيطانية لفرض تقسيم مكاني وزماني للحرم القدسي الشريف تماما كما حصل في غفلة من الزمن في الحرم الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل .
اشتعال الاوضاع ليست وليدة اللحظة ، وربما ألفت القدس ومنذ انتهاء الولاية العثمانية الاسلامية عنها ووقوعها تحت نير الانتداب البريطاني عام 1917 على التنقل بين الثوران والهدوء النسبي ، ولكن يبقى المسجد الاقصى الشرارة الكفيلة باشعال الاوضاع في المنطقة برمتها وقد تصل نيرانها للعالم اجمع ، لانه اصل الحكاية الفلسطينية العربية الاسلامية ، ومحاولات النيل منه كاللعب بالنار التي ستمتد لتحرق الجميع ، والشواهد التاريخية واضحة وبارزة للجميع .
ان ما يجري في المسجد الاقصى وعموم اراضي دولة فلسطين المحتلة ، من اعتداءات سافرة يعتبر تجاوزا لكل الخطوط الحمراء ، وما خطوة منع السفير الاردني من دخوله الا اداة قياس لردود الفعل الاردنية والفلسطينية ومن ثم العربية والاسلامية والدولية ، ميدعو الى ضرورة اتخاذ مواقف جدية من الاطراف المعنية اولا والشروع بخطوات من شأنها العمل على انقاذ المسجد الاقصى ومدينة القدس :
اولا : موقف اردني ، يتمتع بالصلابة يؤكد على اعتراف واحترام وتطبيق سلطات الاحتلال للوصاية الهاشمية التاريخية ، من خلال عمل دبلوماسي دؤوب على كافة الصعد العربية والدولية ، للجم هيجان الثور الاسرائيلي ومنعه من اجراء اي تغيرات في الحرم القدسي الشريف ورفع الاجراءات التعسفية بحق العالمين في المسجد واتاحة المجال لدائرة الاوقاف الاسلامية القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه هذا المكان المقدس .
ثانيا : موقف فلسطيني ، يبدأ برسم استراتيجية وطنية موحدة تبدأ اولا بلملة الاوراق المقدسية المبعثرة وجمعها في اطار واحد يحظى بثقة المقدسيين عامة ، قادر على حشد الطاقات المقدسية للدفاع عن الاقصى ، ومن ثم رأب الصدع بين الاطراف الفلسطينية المختلفة واتمام المصالحة الداخلية ، بشكل يصبح قادرا على العمل لتعزيز صمود المواطن المقدسي الذي يمثل رأس الحربة في الدفاع عن المدينة ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ، وحشد الرأي العام المحلي والاقليمي والعربي والدولي بفضح سياسات الاحتلال العنصرية والدعوة الى انقاذ الاقصى والقدس وتحديد العلاقة مع الاحتلال واجهزته المختلفة والمضي قدما بشكل جماعي بالبعد الدولي للعمل على استصدار ما من شأنه ان يعمل على انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها الابدية القدس الشريف ، وتمكينها من ممارسة سيادتها كسائر الدول المستقلة على كافة اراضيها .
موقف عربي واسلامي : مطلوب من الامتين العربية والاسلامية وخاصة الدول التي لها اتصالات مع دولة الكيان ، اتخاذ موقف قطعي جدي يحذر الاحتلال من عواقب ممارساته ومحاصرته في مختلف المحافل ، وحشد الطاقات لتعزيز التضامن الرسمي والشعبي مع الشعب الفلسطيني والمقدسات وعلى راسها المسجد الاقصى ، وعكس رسالة واضحة من العالمين العربي والاسلامي ان القدس خط احمر لا يجوز القفز عنه واستهدافها كاللعب بالنار ستحرق الاخضر واليابس ، هذه الرسالة ان اتسمت بالجدية المطلقة ، من كل بد سيأخذها المجتمع الدولي على محمل الجد .
موقف دولي : في حال كان هناك موقف عربي اسلامي جدي ، من دون شك فان المجتمع الدولي والذي يحمل النصيب الاكبر من المسؤولية لرعايته الاتفاقيات الثنائية ومن ثم لدعمه لدولة الكيان ، لكنه يلتزم الصمت ويغض الطرف في اغلب الاحيان ، ويقف عاجزا عن تنفيذ الشرعية الدولية ، ما يشجع الاحتلال على تصعيد عدوانه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته ومقدراته ، ومن منطلق حرص المجتمع الدولي على مصالحه مع العالمين العربي والاسلامي ، سينظر الى هذه المواقف بعين الجد والاعتبار ، وربما تأخذ سياساته منحى جديد بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين ويبدأ التحرك لوضع حد للممارسات الاسرائيلية المنافية لكافة الاعراف والقوانين الدولية وينتصر للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ويعمل على انهاء الاحتلال من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية .
آن الاوان لوقفة عربية اسلامية مشرفة ضاغطة على الاحتلال والمجتمع الدولي لانقاذ الاقصى والقدس والانتصار بالفعل لا بالقول فقط للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ، فالمسجد الاقصى ومدينة القدس باتا فوق صفيح ساخن وعلى فوهة بركان يغلي ، وينتظرهما وقت عصيب ان لم يكن هناك موقف صلب ضاغط على دولة الكيان لاجبارها الاذعان للاتفاقيات الثانية واحترام مصالح الغير .