لماذا أسقطت هيئة مقاومة الجدار والأستيطان في تقريرها السنوي ما تتعرض له التجمعات البدوية،،،أسئلة برسم الأجابة؟!!لقد انتهجت الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة سياسات متشابهة نوعاً ما فيما يتعلق بالتجمعات الرعوية والبدوية، والقائمة على استخدام جميع الوسائل لتهجيرهم؛ ويشمل ذلك العنف المباشر من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وهدم المنازل ومصادرة الممتلكات وممارسة التطهير العرقي، والحرمان من البنى التحتية والخدمات الأساسية، بالإضافة إلى التضييق على المراعي وأغلاقها ،ومن جهة أُخرى، عملت إسرائيل إلى جانب العنف المباشر المرئي، على استخدام وسائل تهجير قسري بطيء وطويل المدى تؤدي إلى تضييق سبل العيش على السكان والسيطرة على المياه والموارد الطبيعية،ويشمل ذلك حرمانهم من مقومات الحياة الأساسية المتمثلة في توفير عيادات صحية وشبكات كهرباء ومؤسسات تعليمية لائقة، ومنع تعبيد طرق المواصلات المؤدية إلى معظم التجمعات البدوية والرعوية، وهو ما يدفع السكان إلى سلوك طرق وعرة للوصول إلى الخدمات الرئيسية في القرى الفلسطينية المجاورة، ويعمل بذلك الاستعمار الاستيطاني على جعل معاناة السكان اليومية غير مرئية ولا مسموعة، على عكس أعمال العنف المباشر التي قد تحظى بتضامن شعبي، ويستنزف طاقاتهم في عمليات بيروقراطية طويلة ومعقدة لنيل بعض مقومات الحياة الأساسية.
ففي منطقه تتشابك فيها سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري مع التواطؤ والصمت الدولي، كان لسكان التجمعات البدوية مسلوبة الهوية والاعتراف نصيب الأسد من المعاناة بتعرضها لمخطط اسرائيلي واضح المعالم والنوايا، يستهدف تهجيرهم ودفعهم الى ترك اراضيهم وقراهم،وذلك انسجاماً مع مخطط اسرائيلي يهدف الى التخلص من الوجود الفلسطيني على الارض الفلسطينية، بغية الاستيلاء على تلك المناطق وضمها للسيادة الاسرائيلية، فمن التواجد البدوي في الخليل جنوبا ثم القدس واريحا،ثم بادية رام الله ،وصولا إلى شرق طوباس، نرى مجتمعاً بدوياً متجانساً في ما يتعرض له من قمع وملاحقة وترحيل من قبل الجيش ومستوطنيه، فاسرائيل كانت عادلة تماماً في توزيعها للظلم على جميع سكان التجمعات البدوية الفلسطينية دون استثناء، حتى بات قاب قوسين او ادنى من اطلاق رصاصة الرحمه الاخيره على وجودهم وتشبثهم بالأرض.
وفي خضم الحرب المفتوحة التي تخوضها التجمعات البدوية في الضفة الغربية،مارست دولة الأحتلال سياسات الضغوط القصوى ضد البدو بهدف ترحيلهم،فقد نفذت هجمات متتالية ومتسلسلة وممهنجة ضد عرب الكعابنة (ام الدرج)في مسافر عرب الكعابنة جنوب شرق الخليل،تمثلت بعمليات هدم لمنازلهم ومصادرة اراضي لهم في المنطقة التي تسمى(المغفر)،كذلك قامت دولة الاحتلال بهدم منازل لعرب الطريفات(الرشايدة) غرب اريحا،ومارس المستوطنين ارهابا منظما ضد عرب الكعابنة في المعرجات شمال غرب اريحا،ونفذوا اعتداءات يومية ضد السكان،وايضا الصراع يحتدم في قرية الخان الاحمر التي تقع شرقي القدس وتسكنها عائلات من عشيرة الجهالين،ما أود قوله انه وبشكل يومي تنفذ عمليات ضد التجمعات البدوية في الضفة الغربية،ان التسلل وبأسلوب همجي وممنهج وبمساعدة عصابات المستوطنين الذي يعملون على قدم وساق في تبادل الادوار لتنفيذ سياسات ارهابية وعنصرية،الهدف من ورائها هو اقتلاع وتشريد التجمعات البدوية،ويخرجون حقدهم الدفين تجاه كل ما هو فلسطيني،ليعيد التاريخ نفسه بنسخته المعاصرة منذ ايام العصابات اليهودية في العام 1948،حينها اوكل جيش الاحتلال مهمة ارهاب المدنيين وقتلهم وتشريد للمستوطنين،بعد ان منحهم غطاء قانونيا واعلاميا والكثير من المال.
فلا عجب،اذ ان القلق الوجودي الذي يعاني منه المحتلون بات يتعاظم بشكل مستمر، وهو بالذات من يقف خلف قانون الدولة القومية الذي سنته اسرائيل، فتراها تعيش هوساً امنياً، رغم انها هي الاكثر تسلحاً كماً ونوعاً، سعياً منها للتفوق على جميع اعدائها الفعليين والمحتملين، كما انها تعيش باستمرار في حالة صراع ديمغرافي مع الفلسطينيين ، حتى تكون الغلبة السكانية لها وليس للاخرين، فبات المواطن الفلسطيني تحديداً البدوي، الذي لا يملك من امره شيئاً هو من يدفع الفاتورة الباهظة من دمائه بمواجهته محتلاً شرساً ليلاً نهاراً ووقوعه تحت رحمة هجمات المستوطنين، حيث المقاومة هناك من نوع اخر يمكن تسميتها بالمقاومة الديمغرافية، التي هي في حقيقة الامر قنبلة موقوته في وجه المحتل، كل ذلك يحدث امام نظر العالم الذي يبدو وكأنه قد غسل يديه، تماماً مما يحدث متواطئاً وليس غافلاً يتخفى ويدفن رأسه تحت الرمال، بالتزامه صمتاً مطبقاً لا نعرف له اسباب، فلا هيئات حقوقية ولا منظمات دولية ،ولا حتى وكالات اعلامية، ترى فيما يحدث اليوم من اجرام وحشي بحق هؤلاء، ما يخدش الشعارات الانسانية والمعايير المهنية والحقوقية التي تتباهى بها هنا وهناك، ولا يستدعي حتى ولو بأضعف الايمان، ان تستنفر مثلاً وتدعوا مجلس الامن او الجامعه العربية لعقد جلسة طارئة، والتي من شأنها ان تبعد هستيريا عدوانها عن اولئك البدو المنكشفين أمام الإحتلال، فكأن هؤلاء شركاء في جرائم الحرب تلك..!
وفي هذا السياق، وعلى الصعيد الرسمي الفلسطيني لم نرى اهتماما بقضية التجمعات البدوية من جانب السلطة الفلسطينية والمؤسسات الحقوقية والأحزاب الفلسطينية، وتركز اهتمام مختلف الأطراف على البعد الإنساني لوضع هذه التجمعات، وكأننا لا نتحدث عن مواطنين فلسطينيين اصلانيين ، أذ تركزت سياسات السلطة الفلسطينية وتدخلاتها،على تقديم بعض الدعم الموسمي البسيط لبعض التجمعات البدوية المستهدفة بشكل مباشر من قبل الاحتلال، الامر الذي يؤشر بان الحكومات الفلسطينية المتعاقبة تفتقد إلى أي خطة أو رؤية لدعم صمود البدو الذي أعلن الاحتلال الحرب عليهم ،بل تركتهم يصارعون لوحدهم ، ففي أعقاب الحديث عن خطة الضم التي تستهدف المناطق "ج" حيث يقيم البدو ،سمعنا عن خطب جوفاء تتحدث عن دعم البدو ،ولكن مواعيد الحكومة كانت كمواعيد عرقوب،لم يقدم اي دعم للبدو سوى خطابات فارغة لا تفيدهم في شيء ،وكان عمل الحكومة وما زال يعتمد على ردات الفعل ،فعلي سبيل المثال لا الحصر عند صدور التقرير السنوي لأبرز انتهاكات الاحتلال لعام 2022 الصادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ،لم يأتي ذلك التقرير المنحاز وعديم المهنية على ذكر الانتهاكات في التجمعات البدوية،رغم أن التجمعات البدوية تعرضت إلى حرب مسعورة من قبل الاحتلال في العام 2022 في كافة مناطق انتشارها ،وذلك واضح من خلال التقرير الاعلامية ،ايضا الحكومة الفلسطينية رفضت الإعتراف بالتجمعات البدوية ،الامر الذي سهل على الاحتلال استهدافهم وترحيلهم ،وذلك لاعتبارات سياسية ومالية،اما الأحزاب الفلسطينية فأنها حذت حذو الحكومة ولم تتفاعل مع قضايا البدو، ولم تقدم لهم أي شيء،الا مؤخرا في قضية الخان الاحمر كان هناك نوع من التفاعل من قبل الحكومة والأحزاب،وذلك ليس حبا في البدو ،وانما لامتطاء ظهرهم والاستفادة من قضيتهم قدر المستطاع،وفي حالة تقديم بعض المساعدات للبدو،فانها كانت مساعدات ذات أهداف شخصية وعديمة الأثر ، وتدور جميعها في حلقة مفرغة، ويتزايد ضعف تأثير هذه التدخلات بسبب غياب استراتيجيا ورؤية وطنية موحدة للتعامل مع قضية التجمعات البدوية.
وتكمن أشكالية النهج الذي تنتهجه الحكومة الفلسطينية في التعامل مع قضية التجمعات البدوية بأنه يعزز بقاء الوضع على ما هو عليه، ويستسلم للواقع الاستيطاني الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية، كما أنه يعمل على عدم تسييس القضية بعدم ربطها بالسياق الاستعماري الاستيطاني العام ، وبمشاريع التهويد ومخططات الضم الإسرائيلية التي تستهدف المناطق(ج) التي يسكنها البدو بشكل ممنهج لتوسيع المستعمرات وإحداث تفوق ديموغرافي لمصلحة الإسرائيليين،كما أن هذا النهج يعمل على إقصاء البدو سكان مناطق "ج" وتهميشهم سياسياً،وضمن هذه المعطيات، فإن مشاريع الضم الجديدة للمناطق "ج" والتي يجري تنفيذها حاليا ، ستمنح دولة الاحتلال فرصة إفراغ المنطقة من أهلها، وإحكام السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، وبذلك، ستكون التجمعات البدوية والرعوية الأكثر عرضة وهشاشة للتهجير القسري والمستقبل المجهول.
ومما سبق نخلص الى القول، بأن استهداف هذه التجمعات البدوية وتنفيذ المخططات الاستيطانية ستعمل على إعادة ترسيم الحدود بعيدة المدى، وبذلك تبقى ممارسات الصمود اليومية على الأرض التي يبديها سكان التجمعات البدوية بصورة خاصة، عائقاً أمام المخططات الإسرائيلية لمحو سكان المنطقة، إلاّ إنها لن تستطيع الصمود طويلاً في ظل غياب الدعم المبني على خطط شاملة وبعيدة المدى لترسخ صمود السكان،مع تغيرات المواقف الدولية والإقليمية تجاه إسرائيل التي قد تشرعن الممارسات الاستيطانية في ظل غياب رؤى واستراتيجيات سياسية واضحة للمواجهة.
Email:[email protected]