يذكرني الوزير انطوني بلينكن بسلفه السابق هنري كسينجر زمن الجولات المكوكية التي أراد ومن خلالها في ذلك الوقت احتكار العملية السياسية بالمنطقة دون الوصول الى حلول الا بما يخدم دولة الاحتلال وتوسعها الاستعماري.
والان يكرر التاريخ نفسه على ما يبدو بشكل جديد لكن بما يخدم الاستراتيحيات الامريكية بالمنطقة .
ولوضعها امام المسوؤليات بحكم وضعها الحالي بالنظام الدولي تتم مطالبة الولايات المتحدة رغم تَمَيزَ تاريخها السياسي بالتوحش ومناهضة حقوق الشعوب، بممارسة الضغط على حكومة الأحتلال الأستعماري لوقف سياستها وأجراءاتها وتصعيدها بحق شعبنا.
ويأتي الرد دوماً سريعا من جانب الأحتلال بمزيد من التصعيد والإجراءات المتمثلة بالقتل وتدمير البيوت والترحيل وحصار المدن والغارات وسرقة الأموال وقمع الأسرى والاعتداء على مقدساتنا.
ان ثوابت ومحددات العلاقة الإستراتيجية المعروفة سلفاً بين الولايات المتحدة ودولة الأحتلال منذ ان تم انشائها وفق جرائم التطهير العرقي ، تهدف الى حماية إسرائيل تحت اي ظرف وتحت اي شكل من تركيب حكوماتها بتوجيهات دبلوماسية ناعمة وبكامل الدعم المتعدد الأشكال والذي لن يتوقف حتى في ظل تباينات هامشية بينهم.
بالمقابل يتم القاء اللوم علينا نحن الذين نعاني الأضطهاد والقهر من خلال اتهامات لنا باتخاذ اجراءات احادية الجانب وممارسة الإرهاب ، كما والتلويح أمامنا دائما بتهديدات في ظل سراب الوعود التي تهدف الى اسقاط حقنا القانوني حتى بالتوجه إلى المحافل الدولية بابسط الأشكال وفق القانون الدولي.
كما وتسعى الإدارات الأمريكية التي في جوهر سياساتها لم تختلف ، إلى استبدال الحلول السياسية التي يجب أن تتمثل اساساً بإنهاء الأحتلال بمبادرات وخطط اقتصادية وأمنية لن تؤدي الا إلى استمرار إدارة الصراع دون حله وادخالنا في متاهات تهدف إلى استدامة الأحتلال كأمر واقع .
الولايات المتحدة تسعى اليوم الى تعزيز اتفاقيات ابراهام للتطبيع بمضمون صفقة القرن لتمكين دور دولة الأحتلال بالمنطقة بما يخدم الاستراتيجيات الأمريكية أمام ظروف المتغيرات الدولية ،
حيث ثمة شبه إجماع في دولة الاحتلال مدعوم بغطاء أميركي على أنه ليس هناك حاليا أي أفق سياسي مشترك للتوصل إلى تسوية دائمة او حتى الشروع باي عملية سياسية ، فضلاً عن أن آخر ما أنبأت به التطوّرات في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا "اتفاقيات أبراهام" ومسار ترجمتها عمليا، أثبتت كما يقال إسرائيليا، إن في الوسع تخطّي عقبات سياسية وضعها الواقع العربي السابق أمام التطبيع مع دولة الاحتلال .
علماً انه وعلى المدى القصير والمتوسط الآن يركز الأمريكيون على حربهم بالوكالة ضد روسيا في اوكرانيا ، فيما على المدى الأطول فإن الأستراتيجية الكبرى للدولة العميقة بالولايات المتحدة ستركز على إدارة التحالفات والتحديات الجيوسياسية والاقتصادية مع الصين وحافة المحيط الهادئ في محاولة للحفاظ على احادية هيمنتها المتهاوية الآن ومحاولة استعادة مكانتها في امريكيا اللاتينية من خلال العودة الى سياسة الانقلابات هنالك .
ليس من أولويات الولايات المتحدة الآن ما يجري لدينا ، بحيث تسعى في ان تحافظ هي على استمرار الوضع الراهن ومجرد الحديث الفارغ عن ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي بالقدس مستفيدة من تخبط الواقع العربي الذي اشرت اليه . حيث ان اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل قد أنهى ذلك الوضع التاريخي أصلاً ، وذلك وفق أولويات مصالحها اعتمادا على الدور الإسرائيلي الذي تتنامى فيه العنصرية الدينية الفاشية والجرائم التي تهدف الى انهاء الحقوق الوطنية السياسية لشعبنا من اجل تمرير مشروع الحركة الصهيونية العالمية التي يفتخر بايدن بالانتماء لها ، الى حين إيجاد شبه حلول منقوصة مع بدائل مشبوهة تنهي نهائيا برنامج إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة على كافة الأراضي المحتلة بما فيها القدس كعاصمة ، رغم حديث بايدن أمس عن حل الدولتين .
ان هذه الرؤية أو الحل الذي يتحدث عنه بايدن لا يستند الى الحدود الدولية او الى السيادة الكاملة والتواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية ، وياتي الحديث عنه من جانب بايدن وما سبقه من ترامب بعد أن انهك التمدد الأستيطاني اصلاً هذا الحل بحيث أصبح شبه مستحيلاً ، كما تُسقِط الولايات المتحدة حقوق عودة اللاجئين وثوابت وتراث منظمة التحرير الكفاحي التي ما زالت بحكم قرار الكونغرس تعتبر جهة إرهابية.
هذه الإدارة لم تلتزم من قريب أو بعيد بكافة الوعود السابقة بخصوص الغاء قرار ترامب حول القدس ونقل السفارة اليها واعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن .
وهي تسعى مع جهات بالمنطقة لخلق أدوات وبدائل ستكون شبيهة بأصحاب مشاريع أصحاب روابط القرى التي اسقطها شعبنا ، أو مُهجنة عنها كتلك التي استخدمتها الولايات المتحدة بعديد من الدول في مواجهة حركات تحرر شعوبها الوطنية ولم تصمد لاحقا أمام ارادة الشعوب .
بدائل وادوات تتفق والرؤية الامريكية وتعتمد على الانقسام الحاصل نتيجة الانقلاب في غزة و تمزق النظام العربي والأزمة الأوروبية وازدواجية معايير دولها وتبعيتها الآن للسياسات الأمريكية ، كي تستطيع هذه الادوات بتسهيل من الولايات المتحدة ودول اقليمية أخرى تنفيذ تلك البرامج التي تستهدف حقنا الأساسي بتقرير المصير والأستقلال الوطني وإنهاء الاحتلال ، ومن ثم تعمل من اجل إغلاق الملف الفلسطيني كما يخططون.
أن ذلك لن ينجح ، ولمواجهته ولتمكين صمودنا ومقاومتنا السياسية والشعبية للوصول الى حقوقنا الوطنية ، فان ذلك يتطلب ظروف موضوعية جديدة يساهم في ايجادها نظام دولي متعدد الأقطاب وتنامي المعارضة بالمجتمع الإسرائيلي لتشمل ايضا معارضة الأحتلال ، وظروف ذاتية اولاً لترتيب وتمكين بيتنا الداخلي في مواجهة الأحتلال الأستعماري تبدأ بتنفيذ قرارات اجتماعات القيادة الفلسطينية الأخيرة يتبعها تنفيذ رؤية متكاملة من خلال برامج سياسية كفاحية واضحة على كافة المستويات الشعبية والرسمية تعتمد على روايتنا التاريخية وحقوقنا الغير قابلة للتصرف حتى تتحقق العدالة ويسقط الاحتلال ونظام الفصل العنصري.