صدى نيوز - نشرت مجلة فورين بوليسي الخميس مقالا تحت عنوان "نتانياهو رسم خارطة طريق سعودية-أمريكية" للباحث جيمس تروب، وهو زميل غير مقيم في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك، مقالاً نشرته، استهله قائلاً "إن بنيامين نتنياهو أصبح رئيس وزراء إسرائيل منذ ستة أسابيع؛ ووفق المسار الطبيعي للأمور، قد يأتي إلى واشنطن في أي يوم الآن. ولكن هذا ليس وقت طبيعي؛ حيث يُقال إن كبار المسؤولين حول الرئيس الأميركي جو بايدن قلقون من دعوة نتنياهو بينما يحوطه الجدل بشأن معاملته للفلسطينيين والإصلاح القضائي المقترح الذي سيُخضع محكمة إسرائيل العليا لبرلمانها".
ويقول الكاتب : "وعندما يأتي إلى واشنطن، سيتلقى نتنياهو على الأرجح محاضرة صارمة من صديقه القديم بايدن بدلاً من التربيت المعتاد على الكتف. ولكن نتنياهو ستكون لديه إجابة على أي نصائح حول السياسة الداخلية الإسرائيلية، حيث قد يخبر بايدن بأنه يستطيع كبح جماح اليمينيين داخل ائتلافه الحاكم إذا أعطاه ما يحتاجه حقاً، وهو أن تتصالح واشنطن مع السعوديين.
وسيكون هذا الطلب مثيراً للاهتمام، ولكن الخبراء الإقليميين الذين تحدث إليهم الكاتب في الأسابيع الماضية يتفقون جميعاً على أن الشيء الوحيد الذي يهتم به نتنياهو -إلى جانب البقاء في السلطة وعدم دخول في السجن بسبب تهم الرشوة والفساد- هو إنهاء عزلة إسرائيل في الشرق الأوسط من خلال جذب المملكة العربية السعودية إلى اتفاقات أبراهام التي وقعت عليها إسرائيل مع دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان".
وبحسب الكاتب "يعتقد نتنياهو أن واشنطن تستطيع منحه السعودية. وقد أخبر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين أنه يريد من واشنطن أن تعامل السعودية باعتبارها القوة الإقليمية الكبرى التي يعتقدها من خلال استئناف مبيعات الأسلحة التي توقفت في الخريف الماضي ومن خلال تقديم نوع الالتزام الأمني الذي يمتد إلى الحلفاء المقربين. وسوف يجادل نتنياهو بأن بايدن يمكنه تسديد ضربة كبرى من خلال إعادة السعوديين إلى المعسكر الأميركي".
ويشير الكاتب إلى أنه :" أسفرت اتفاقيات أبراهام عن الكثير من اللحظات المدهشة؛ ففي أيلول 2022، قام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بزيارة استغرقت خمسة أيام إلى إسرائيل، حيث التقى بجميع الشخصيات الرئيسية وقام بزيارة إلزامية إلى النصب التذكاري للهولوكوست، ياد فاشيم".
ويقول الكاتب إنه علم أن الاتفاقات قد أصبحت حقيقة واقعة عندما رأى، في الخريف الماضي، خلال إحدى زياراته المنتظمة إلى حرم جامعة نيويورك أبو ظبي، تجمعاً من اليهود الأرثوذكس المتشددين في نهاية الردهة. وفي مطلع الأسبوع، أجرى الطلاب الإماراتيون الذين يدرس لهم الكاتب نقاشاً حول ما إذا كانت إسرائيل شريكاً جيداً للعرب، وفاز الجانب الذي جادل بأن العالم العربي يجب أن ينظر إلى المستقبل بدلاً من الماضي؛ وقال ستة من أصل 11 طالباً إنهم يعتبرون الاتفاقات شيئاً جيداً.
وبحسب الكاتب :"يتمثل جوهر اتفاقيات أبراهام في التعاون الأمني الإقليمي ضد إيران، ووقعت إسرائيل الآن على اتفاقيات أمنية مع البحرين والمغرب وتساعد الإمارات في الدفاع الصاروخي في أعقاب الهجمات على أبو ظبي التي شنها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن. وساعدت تلك الضربات، التي استهدفت السعودية أيضاً، في دفع دول الخليج العربية نحو فلك إسرائيل، التي يشكل نظام القبة الحديدية لديها أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الدفاع الصاروخي".
ويقول : "لا شك أن نتنياهو محق في اعتقاده أن الشرق الأوسط سيكون مكاناً مختلفاً إذا انضمت السعودية -مقر الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، وعملاق الخليج العربي، والمدافعة لسنوات عديدة عن القضية الفلسطينية- إلى دائرة التعاون هذه. ويُناقش هذا الاحتمال علناً في الرياض؛ فلم يعد محمد بن سلمان عاطفياً تجاه الفلسطينيين أكثر من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولم يعترض عندما وافق دونالد ترامب على نقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس، وهو قرار أثار غضب الفلسطينيين وأنصارهم. ويتساءل الكاتب عن العقبات التي تحول دون تحقيق التطبيع السعودي مع إسرائيل، ويجيب أن العقبة الأولى هي تعلق والد ولي العهد، الملك سلمان، الشديد بالقضية الفلسطينية".
ويضيف تروب :"إذا أرضى نتنياهو المتعصبين الدينيين داخل ائتلافه من خلال توسيع المستوطنات غير القانونية أو إضفاء الطابع الرسمي عليها، ناهيك عن ضم جزء من الضفة الغربية، فلن ينضم محمد بن سلمان إلى الاتفاقات. وثانياً، لا تملك إدارة جو بايدن أداة للضغط على السعودية. فعندما أذل بايدن نفسه في الصيف الماضي ليطلب من ولي العهد زيادة إنتاج النفط لخفض السعر، رفض ولي العهد. إذ ينظر السعوديون بشكل متزايد إلى أنفسهم على أنهم قوة صاعدة في جنوب العالم، ويعملون مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفق مصالحهم الخاصة؛ ويصرون على أنهم لم يعودوا داخل المدار الأميركي. ولكن السبب الحقيقي وراء الحاجة إلى وأد حلم نتنياهو هو أن بايدن لن يقدم التنازلات التي يريدها محمد بن سلمان، ولا ينبغي له، فحتى مع تجاهل السلوك القمعي والوحشي لولي العهد في الداخل -بما في ذلك الإذن بقتل وتقطيع جثة الصحافي المعارض جمال خاشقجي- فقد أمضى سنوات في خوض حرب وحشية مدمرة للذات في اليمن".
ويعتقد الكاتب أنه "سيكون من غير المعقول أن تقبل الولايات المتحدة علاقة شبيهة بحلف شمال الأطلسي مع السعودية". ويتساءل :" ماذا لو رد محمد بن سلمان على هجوم آخر للحوثيين بضربة على إيران -ثم تذرع بالالتزام الأمني الأمريكي بمجرد أن ترد طهران؟ وعلاوة على ذلك، لا يتقاسم بايدن وجهة النظر الإسرائيلية والسعودية بأن إيران يمكن ترهيبها وإسكاتها. إذ يحتاج بايدن إلى مساعدة إسرائيل والسعودية لاحتواء إيران، ولكنه لا يستطيع السماح لهما بجر الولايات المتحدة إلى أعمال عدائية من شأنها أن تجعل الإيرانيين أكثر تعنتا"ً.
وبذلك، بحسب الكاتب :" لن يقدم بايدن أي خدمة لنتنياهو بشأن السعودية -ولن يدعه الكونغرس الأمريكي يفعل ذلك إن أراد. ولكن لا يمكن أيضاً أن تتخلى الولايات المتحدة عن السعودية كلياً، كما كان يأمل بايدن أن يفعل عندما تولى منصبه. فقد اكتشف الرئيس أن مكانة السعوديين بصفتهم "المنتج المتأرجح" للنفط في العالم يمنح بلدهم نفوذاً هائلاً على الأسواق. وتحتاج واشنطن إلى السعوديين والإسرائيليين لمنع إيران من غرس مخالبها في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أنه" بقدر ما تجسد اتفاقيات أبراهام رؤية استشرافية للشرق الأوسط تستند إلى التنمية البشرية والاقتصادية، فهي هدية لكل من المنطقة والولايات المتحدة. وعندما يشق نتنياهو طريقه أخيراً إلى واشنطن، سيحتاج بايدن إلى إخباره بأن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة في تشكيل نظام جديد في الشرق الأوسط -ولكن ليس نظاماً قائماً على إذلال الفلسطينيين وفرض تغيير النظام في إيران".