إضاءات
- قطع عمال مناجم مسافة ألف كيلومتر لتقديم المساعدة، متسلحين بمعاول ومجارف ومناشير تستخدم في المناجم لمساعدة أشخاص تحت الأنقاض، أنقذوا السيدة نسيبة أوغلو وابنتها فعبرت عن امتنانها للعمال.
- منذ اللحظات الأولى للزلزال انبرى فريق «الخوذات البيضاء» بانتشال عالقين وإنقاذ حياة مئات المنكوبين من داخل الركام، وذلك في ظروف بالغة الصعوبة وبأدوات بسيطة، هؤلاء واصلوا الليل بالنهار وكانوا في سباق مع الزمن، وقد جذب تفانيهم  العديد من المتطوعين واحترام وحب الناس.   
- رجل باكستاني مجهول دخل إلى السفارة التركية في الولايات المتحدة وتبرع بمبلغ 30 مليون دولار لضحايا الزلزال. في الوقت الذي يتدفق فيه التبرع على المراكز المخصصة لدعم المنكوبين  داخل المناطق المنكوبة وخارجها وفي سائر أنحاء العالم. وتنظم قوافل الدعم من كل حدب وصوب لتظهر في هذه الأوقات الصعبة أفضل ما لدى الناس.. وأسوأ ما لديهم.

المشهد
عشرات آلاف الجثث انتشلت، وبقي آلاف الأشخاص موتى تحت الأنقاض، وقد تلاشى الأمل بخروج أحياء، بينما أنقذ الآلاف  وقد تحولوا إلى المستشفيات ومراكز الإسعاف والعلاج.
على مدار أسبوع، تحلق الناجون حول الأنقاض وسط غبار وأتربة الدمار ورائحة الموت وصرخات الوجع في أجواء  شديدة البرودة، بانتظار خروج أحد أحبتهم وأقربائهم على قيد الحياة، مشهد فاجع وفي غاية القسوة، الحزن والغم والإحباط يعم ما يقرب من 6 ملايين مشرد قذفهم الزلزال في العراء بلا مأوى.
فاجعة حقيقية ألمت بمواطنين سوريين وأتراك لتضيف إلى عذاباتهم عذابا إضافيا، هي  مأساة لا تقتصر على المنكوبين وحدهم بل تمتد إلى عالم يعاني من التوحش والفساد والنهب والجوع والظلم.  

المسؤولية
كان يمكن لعدد الضحايا أن يكون أقل بكثير، لو تحرك النظام الدولي وأعطى أولوية  لتسخير الإمكانات المادية والفنية لإنقاذ الضحايا.
كانت الأقوال أكثر سخاءً من الأفعال، وكانت المبالغ المخصصة لإنقاذ البشر أقل كثيراً من الأموال التي تدفع للحروب. وكان يمكن لعدد الضحايا ولحجم الخسائر أن يكون أقل بكثير من الخسائر الفادحة بشرياً ومادياً لو جرى الاستعداد الحقيقي لاحتمال وقوع زلازل وفقا لتقارير راصدي الزلازل، كما في تجربة اليابان مع الزلازل التي أحياناً  تقع بقوة 9 درجات على مقياس ريختر.  
خلافاً لذلك اتضح أن الابنية في تركيا وسورية غير مصممة لمقاومة الزلازل في منطقة مرشحة لوقوعها. لقد انفجر الزلزال بأبنية هشة مغشوشة، لم تخضع لحسابات هندسية للتخفيف من حجم الكارثة.  
الدولة مسؤولة عن التحوط المسبق وإجراءاته وأنظمته. والدولة مسؤولة عن توفير وسائل الإنقاذ والإسعاف، كالآلات الضخمة والخفيفة، وفرق الإنقاذ المحترفة، وموازنات طوارئ.  
الدولة التي تتجاهل إجراءات السلامة قبل الزلزال هي الدولة التي تخفق في عملية الإنقاذ بعد وقوع الزلزال.
في مقابلة مع «بي بي سي» ُيرجع مصطفى إرديك المتخصص في هندسة الزلازل الخسائر الفادحة إلى عدم اتباع قواعد البناء، وإلى الجهل وغياب الكفاءة في صناعة البناء. وقال، كان ينبغي منع بناء الطوابق فوق بعضها البعض لأنه يتسبب في وقوع ضحايا بالقدر الذي رأيناه»، البناء مخالف لتحديث قواعد الإنشاء العام 2018 التي نصت على استخدام خرسانة عالية الجودة مسلحة بأسياخ من الصلب المضلع في بناء أعمدة رأسية ودعامات خرسانية أفقية حتى يمكن امتصاص أثر الهزات.
هذا التوضيح المهني حول مسؤولية الدولة يخالف ما قاله الرئيس طيب أردوغان إن «هذه الأشياء دائماً ما تحدث إنها جزء من مسار القضاء والقدر، متقاطعاً مع مقولة أن الزلزال غضب من الله بسبب معاصي الناس» لكنه اعترف بأوجه القصور التي شابت استجابة الدولة لأزمة الزلزال المدمر أمام الاحتجاجات والضغط.
عامل آخر أضعف عمليات الإنقاذ هو تهميش دور القوات المسلحة التركية المرشح الأقوى والذي يملك مقومات عملية البحث والإنقاذ وذلك خشية من انقلاب الجيش على نظام الحكم الأردوغاني. كما نرى، يوجد اختلال قبل الزلزال واختلال أثناء وبعد الزلزال من الوزن الثقيل، لا يمكن القفز فوقهما باعتقال حوالى 140 مقاول بناء، ولا الاختباء وراء القضاء والقدر.
إن أي موقف مسؤول يستدعي تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تضم خبراء زلازل ومهندسين وحقوقيين لتحديد المسؤولية والمحاسبة على كل أنواع القصور.

الإنسان أولاً
وإذا انتقلنا إلى الشق السوري من الزلزال، سنجد الصدى الأشد سوءا على أجزاء أساسية من الشعب السوري، رغم الشدة الأقل للزلزال. فقد اعتبرت الأمم المتحدة، أنها منيت بالفشل في شمال غربي سورية، مع العدد الكبير للضحايا، وتأخر جهود الإنقاذ والمساعدة. وطالبت الأمم المتحدة، بضرورة تصحيح الإخفاقات بأسرع ما يمكن، وذكرت أن سكان شمال غربي سورية يشعرون بالخذلان وبالتخلي عنهم. فلم يتوجه أي فريق للإنقاذ شمال غربي سورية، وتأخرت فرق الإنقاذ على قلتها في التوجه إلى اللاذقية وحلب.
أبقت تركيا على الحدود مع شمال غربي سورية مغلقة، واشترط نظام الأسد دخول كل أنواع الدعم بموافقته ومن خلاله، بل واشترط على مجموعات المتطوعين السوريين  الحصول على تصريح أمني لمزاولة أعمال الإنقاذ وتوزيع المساعدات التي جمعوها أو تسليمها للنظام. وعندما جرى تذليل عقبة الحدود رفضت «هيئة تحرير الشام» النصرة سابقاً دخول المساعدات.
كان تأكيد سيطرة النظام على الأرض، وأولوية استحواذه على المساعدات، أهم لديه من عذاب الضحايا ومساعدتهم وإنقاذهم والتخفيف من محنتهم.
رأى النظام في كارثة الزلزال مناسبة للإفلات من العقوبات دون حل سياسي يضمن عودة ملايين اللاجئين السوريين، ويفرج عن المعتقلين ويؤمن الحريات ويعيد بناء ما دمرته الحرب.
الزلزال الذي أصاب ملايين السوريين هو امتداد للحرب التي دمرت الإنسان والوطن السوري، وكما ترك ملايين السوريين يواجهون مصيرهم أثناء الحرب وما بعدها، ها هم يتركون الآن ليواجهوا مصيرهم وسط الأنقاض والموت والبرد والجوع.
في سورية النظام وهيئة تحرير الشام ومن لف لفها من فصائل المعارضة والنظام الإقليمي والدولي وروسيا البلد المسيطر على سورية، لا يتعاملون مع بند واحد هو إنقاذ البشر المنكوبين وعدم حرف الانتباه عن الحالة الإنسانية، حديث. ولا يتعاملون مع ضرورة الانتقال من حالة اللا حل الذي يضمن بقاء النظام وبقاء مصالح حلفائه بأي ثمن، إلى الحل الذي يحترم حقوق الشعب في الحرية والكرامة والديمقراطية بعيداً عن التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية.