رغم ما لفت الإنتباه في بيان الدول الخمس ليوم امس ، الا ان ثلاثة مسائل اضافة الى تلك قد أثارت انتباهي اليوم كما بالسابق ، وهي تعبر عن وقاحة الغرب ونفاقه وسياساته المتبعة بازدواجية المعايير ومساواة الضحية بالجلاد والتدخل في شؤون الغير الداخلية ، باعتبارهم ما زالوا يعتقدون ويتصرفون بعقلية الوصاية الاستعمارية . 

الأولى ، كانت اعلان قصر الاليزية عن رغبة الرئيس مانويل ماكرون بالبحث عن رجل المرحلة الفلسطيني لخلافة الرئيس أبو مازن لتغير التوتر القائم . ولا اعرف مقصدهم اللئيم بالخلافة أن كانت فورية أو بعد عمر طويل ، أو بمفهوم التوتر بين شعب مُحتل ونظام ابرتهايد احتلالي استعماري ، فهل هي مسؤوليتنا أننا نعاني الاحتلال والقهر . اما الخلافة التي يبحثون عنها فهذا شان فلسطيني داخلي لا شأن لأحد آخر به يتحدد بالوقت الذي يستدعي ذلك وفق الأصول ومن خلال الإطار الشرعي منظمة التحرير والآليات الديمقراطية ، التي يتشدق الغرب بها زورا .
فالأجدر بماكرون الاهتمام بممظاهرات المعارضة الفرنسية المليونية التي تخرج في شوارع باريس تنديدا بسياسات حكومته بدل التدخل في شوؤننا .

والثانية ، هي تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن ضرورة وقف الإجراءات احادية الجانب ، دون أن يشير إلى ذاك الجانب ، فأعتبرها هو من الجانبين او من جانبنا نحن وكأننا الفلسطينين مَن نشن حربا ضروس ونرتكب الجرائم بحق شعبا آخر يضطهدنا منذ اكثر من سبعة عقود على مرأى من المجتمع الدولي بل وبمساندة الولايات المتحدة اولا والغرب ثانيا .

اما المسألة الثالثة ، فكانت حول النفاق السياسي وسراب حل الدولتين الذي يتحدثون عنه دون تفاصيل ومعارضة التوسع الاستيطاني الحالي الذي ما لبث الأمريكان يتحدثون عنه . فعن اي حل دولتين يتحدثون بعد أن توسع الأستيطان الاستعماري ليشمل ٦٠% من اراضي دولة فلسطين المحتلة لتبقى الأرض الباقية كالجبنة السويسرية من الكانتونات الممزقة لا تصلح لإقامة دولة ذات سيادة عليها ، بعد أن تم البناء الاستيطاني بمجمله بأموال الدعم الأمريكية . اما أكذوبة الحديث عن حل الدولتين في صفقة القرن فانها تتجلى في افتقار الدولة لأهم مكوناتها ، والأمر هنا لا يقتصر على عدم اشتمالها على القدس كعاصمة ، فمن المعروف في الفقه القانوني أن مكونات الدولة هي ، الأرض وحدودها والشعب والسيادة ، وفي صفقة القرن التي ما زالت هي محدد سياسات الإدارة الحالية لبايدن على ما يبدو ، فالأرض منقوصة والشعب منقوص أو مقتصر على جزء من الشعب ، أما عنصر الحدود والسيادة فهو غائب كليا . فلا دولة بدون سيادة وبدون حدود واضحة حددها القانون الدولي ومرجعيات القرارات الاممية كخيار دولي وفق مبداء القرار الأممي ١٨١ باقامة دولتين الذي تبنته الأسرة الدولية انذاك وما تبعه لاحقا من قرارات يتوجب احترامها ومن ضمنها ، اعتبار أرض فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية أرض محتلة وفق قرار الأمم المتحدة لعام ٢٠١٢ واعترفت بها دولة بصفة مراقب غير عضو على طريق استكمال عضويتها الكاملة ، وتوضيحات المحكمة الجنائية الدولية التي حددت حدود دولة فلسطين بما قبل الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ .
 لكنها ازدواجية المعايير من جانب الغرب التي تصنع من إسرائيل دولة فوق القانون ومعفاة من العقوبات والمحاسبة بما يساهم في ترسيخ رؤية حكومة دولة الاستعمار الإسرائيلي في اعتبار الأرض ليست محتلة وإنما تشكل أرض إسرائيل الكبرى .

ورغم انني غير مندفع بالتفاؤل ، حيث الفاشية الصهيونية استدعت تقديم ردا وقحا على بيان الدول الخمس يوم أمس . ولكن لأننا لسنا عبثين في شأن السياسة ، فإنه من الضرورة الانتباه والنظر بعقلانية لهذه المسألة الرابعة والنظر بانفتاح نسبي الى بيان الدول الخمس حول ما جاء من جديد بها بخصوص قلق تلك الدول من إعلان حكومة الأحتلال الإسرائيلية عزمها بالمضي قدما ببناء نحو عشرة آلاف وحدة استيطانية وعلى بدء عملية إضفاء الشرعية على تسعة بؤر استيطانية كانت تعتبر غير قانونية سابقا بموجب القانون الإسرائيلي ، واعلانهم عن معارضة هذه الإجراءات من طرف واحد التي لن تؤدي سوى لتفاقم التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتقويض الجهود الرامية إلى الوصول لحل الدولتين ، وفق ما جاء في بيانهم المذكور .
إضافة إلى ما جاء جديدا وايجابيا أيضا من الاشارة لمصطلح الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقادرة على البقاء ، الا ان ذلك يبقى منقوصا دون الإشارة إلى مسألة الحدود والقدس وفق ما أشرت له بالفقرات السابقة من المقال ، ودون اقتران ذلك باجراءات عملية تبتعد عن التصريحات اللفظية فقط . 

والسؤال هنا ، هل ستدفع حكومة دولة الأستعمار الأكثر فاشية بسياساتها إلى مرحلة التصادم مع تلك الدول والغرب عموما ؟ 

يقيناً أن الرأي العام الدولي بما تمثله حركات الشعوب لن يقبل بالتحولات الجارية والسياسات المتبعة من جانب حكومة الأحتلال هذه التي تمثل تحالف أقصى قوى اليمين العنصري والقومي الصهيوني الديني ، حتى باوساط واسعة من المجتمعات اليهودية باسرائيل نفسها أو في دول آخرى من مهجرهم الذي ابتدأت تزداد عودة إعداد من اليهود اليه بالخارج ، إضافة إلى هجرة روؤس أموال ومغادرة شركات ، واتساع حجم المظاهرات المناهضة للسياسات المتعلقة بالقضاء واحوال المعيشة ومظاهر التصدع بين المستويات السياسية والامنية الذي قد يتسع مستقبلا ليشمل مسألة الأحتلال اذا ارتبط ذلك بالكلفة التي سيدفعها مجتمعهم على المستويات الدولية والمحلية الاقتصادية والامنية منها . كما وبروز اصوات من المنظمات اليهودية حول العالم في مناهضة الصهيونية واستمرار الأحتلال الأستعماري ، الأمر الذي يجب أن يتسع للخلاص من الايدولوجية الصهيونية العنصرية والتي لا تستهدف حقوق شعبنا فقط ، بل أيضا قطاعات واسعة من اليهود أنفسهم والاستقرار بالمنطقة . هذه المستجدات التي لا تستطيع حكومات الغرب تجاهلها إلى ما لا نهاية دون اهتمام ودون ممارسة ضغوطات جادة على دولة الاحتلال وحكومتها العنصرية الاستعمارية . 

أمام هذه التطورات من المستجدات الممكنة بحكم رؤيتنا العقلانية السياسية ، فإنه يتوجب الإستفادة منها والبناء عليها وعدم الانتظار طويلا بوضع مزيدا من الأحراج والضغوطات على دولة الأحتلال وعلى تلك الدول وغيرها ، من خلال عدم القبول باية ضغوطات تمارس علينا بهدف الإبتعاد عن جوهر الصراع المتمثل بضرورة انهاء الأحتلال الأستيطاني ، واستغلال اوراق الضغط التي بين ايدينا على الأقل من خلال تصعيد المقاومة الشعبية والمقاومة السياسية بالمحافل الدولية والعربية على السواء والاسراع في تجريم دولة الاحتلال بالمحاكم الدولية وتعريف جوهر الاحتلال الاستيطاني كبداية لفرض قرارات بمجلس الأمن وطلب فرض العقوبات ، كما واستكمال عضوية دولتنا الفلسطينية وممارسة اشكال سيادتها كدولة تحت الاحتلال . 

ان ذلك سيشكل امتحانا لجدية الدول الخمس تلك التي ربما تعول على عودة المعارضة الإسرائيلية الحالية للحكم ومن ثم إطلاق مسار سياسي الذي يجب أن يعتمد على القرارات الاممية والقانون الدولي وصولا اولا إلى إنهاء الأحتلال والأستيطان دون تأجيل وممارسة كل شعبنا حقه بتقرير المصير .