صدى نيوز - ةحبط التحركات الأخيرة للسلطات المصرية بنوك الاستثمار العالمية، خاصة فيما يتعلق برؤيتهم لآفاق الجنيه المصري الذي ما زال يواجه ضغوطاً كبيرة مع استمرار تراجع موارد البلاد من الدولار.

يتخوف المتداولون والمحللون من قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات التي جرى الاتفاق بشأنها مع صندوق النقد الدولي، ما يخلق فجوة بين سعر الجنيه الحالي والسعر المتوقع.

أكثر بنوك الاستثمار تفاؤلاً تتوقع أن يستقر سعر الجنيه عند مستواه الحالي، فيما كانت أكثر التوقعات تشاؤماً عند 35 جنيه للدولار.

وفي إشارة إلى أن المستثمرين يراهنون على مزيد من الانخفاض، تراجعت العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهراً للجنيه المصري لتقترب من 37 جنيهاً للدولار. تعكس شهادات إيداع الشركات المصرية المتداولة في بورصة لندن سعراً للجنيه المصري عند 33.5 جنيه للدولار.

فهد إقبال رئيس قسم أبحاث منطقة الشرق الأوسط في كريدي سويس، قال في تقرير إن إعلان برنامج صندوق النقد الدولي "جعلنا نشعر بتفاؤل كبير بشأن التوقعات الاقتصادية لمصر. لكن توقعاتنا تلاشت بسرعة بسبب عدم إحراز تقدم في تنفيذ المرونة المتعلقة بالجنيه المصري وبيع الشركات المملوكة للدولة".

وأضاف في التقرير الصادر مؤخراً: "تفاقمت مخاوفنا عندما أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة دون تغيير في فبراير الماضي في مواجهة التضخم المتسارع"، لافتاً إلى أن "الحكومة أعلنت مؤخراً عن خطط لبيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة، لكن التفاصيل لا تزال غير متوفرة وسجل الأداء (المتعلق ببرنامج الطروحات) مخيب للآمال في السنوات الأخيرة ويبقي التوقعات منخفضة للغاية".

يلقي عدم إحراز تقدم ملموس في الإصلاحات بثقله على الجنيه في السوق الموازية، وفق البنك السويسري. وتابع في تقريره: "نعتقد أن المزيد من التخفيضات ممكنة على المدى القصير، ومن المحتمل أن يصل السعر إلى 35 جنيهاً مقابل الدولار".

من وجهة نظر استثمارية، تظل مصر محفوفة بالمخاطر ومناسبة فقط للمستثمرين ذوي الرغبة في المخاطرة العالية، وفق التقرير. وبينما بلغ العائد على الأسهم المصرية 100% منذ أدنى مستوى في يوليو 2022 والذي يُعد الأسرع منذ الأزمة المالية، يعطي كريدي سويس وجهة نظر سلبية للسوق مع توقعاته لحدوث مزيد من التراجع في زخم الأرباح والمخاطر على المدى القريب للعملة.

ورغم تحسن عوائد أذون الخزانة المصرية، إلا أن علاوة المخاطر لا تعكس كامل المخاطر للجنيه على المدى القصير، وفق التقرير.

لا تعكس التقييمات أو السعر الحالي للجنيه المصري قيمته العادلة، إذ يشير معدل سعر الصرف الفعلي الحقيقي إلى أن الجنيه مقوّم بأقل من قيمته بـ30%، ما يضع السعر العادل للعملة المصرية عند 23.8 جنيه للدولار، وفق كريدي سويس.

ومع ذلك، يضع البنك احتمالية ضعيفة لوصول الجنيه إلى هذا المستوى، وأشار إلى أن الهدف الأكثر قابلية للتحقق هو وصول السعر العادل إلى 28 جنيهاً للدولار خلال 12 شهراً.

السبب الأساسي لهذا الاختلاف هو شح سيولة العملات الأجنبية في النظام النقدي، الناجم عن الضعف الأساسي في ميزان المدفوعات وهروب رأس المال في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا ما استنفد سيولة العملات الأجنبية في البنوك في الوقت الذي كانت فيه تدفقات العملات الأجنبية أقل باستمرار عن التدفقات الخارجة منذ ذلك الحين"، وفق فاروق سوسة من غولدمان ساكس.

وقال في تقرير صدر في وقت سابق: "من المحتمل أن يؤدي استمرار تقييد الوصول إلى سوق العملات الأجنبية الرسمية للمعاملات الجارية والتعاملات على رؤوس الأموال إلى زيادة الاضطرابات الاقتصادية وإلحاق الضرر بالآفاق الاقتصادية المصري".

من المرجح أن يكون الوضع الحالي غير مستدام، ويمكن، في الحالات القصوى، أن يؤدي إلى دوامة تضخم يرافقها خفض في قيمة العملة إذا تركت دون ردع، وفق سوسة، الذي استبعد حدوث هذا السيناريو في ظل برنامج صندوق النقد الدولي الذي تتبناه البلاد.

’’سعر الصرف الفعلي الحقيقي’’

هو مقياس لقيمة العملة مقابل المتوسط المرجح لعدة عملات أجنبية مقسوماً على مؤشر التضخم، بحسب صندوق النقد الدولي.

هذه الأزمة جعلت البنوك تبحث عن بدائل، كان أحدثها ما أعلنه أكبر بنوك القطاع الخاص المصري، البنك التجاري الدولي، عن قبوله إيداعات بعملات خليجية مربوطة بالدولار، مثل الريال السعودي والدرهم الإماراتي للمرة الأولى في السوق المصري، بعائد سنوي يتجاوز 5%، وهو معدل أعلى بـ100 نقطة مئوية تقريباً عن العائد السنوي في بعض البنوك في الإمارات والسعودية على الودائع الكبيرة.

وفي إطار مساعي الحكومة أيضاً للحصول على موارد بالعملة الصعبة، أقر مجلس النواب مؤخراً تسهيلات وتخفيضاً جديداً على الوديعة المطلوبة من المغتربين المصريين في الخارج مقابل توريد سياراتهم.

كما أن الطروحات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة مؤخراً، ستستعين بها الحكومة لزيادة مواردها الدولارية، إذ قالت وزيرة التخطيط هالة السعيد، إن بلادها ستتفق مع المستثمرين وفقاً لكل حالة على حدة فيما يتعلق بتقييم أصول الدولة التي ستُطرح للبيع، لتكون إما بالدولار الأميركي أو الجنيه المصري.

هذا الأمر لم يكن جديداً، إذ أن التفاوض بين الحكومة وصندوق الاستثمارات العامة لبيع المصرف المتحد كان على أساس تسعير البنك بالدولار، وكان سعر الصرف سبباً في توقف المفاوضات.

المؤشرات على شح الدولار بدأت تظهر من جديد، كان أبرزها ما قالته مصادر مصرفية لـ"اقتصاد الشرق" في تصريحات سابقة، أن عدد من البنوك الحكومية والخاصة توقفت عن فتح اعتمادات مستندية جديدة أو مستندات تحصيل للمستوردين، بسبب نقص الدولار.

كانت الحكومة المصرية أفرجت عن بضائع بقيمة تتجاوز 15 مليار دولار منذ مطلع ديسمبر الماضي وحتى منتصف شهر فبراير 2023، بعد أن ازدحمت الموانئ بالبضائع التي تحتاج إلى اعتمادات دولارية من أجل الإفراج عنها، وهو ما يُتخوّف من تكراره في حالة عدم توافر الدولار للمستوردين.

ورغم تراجع سعر صرف الجنيه بنحو 95% منذ مارس من العام الماضي، إلا أن حائزي الدولار في مصر لا يفرطون فيه، وفق ما ذكره مسؤول مصرفي مصري، وقال إن هناك "تراجعاً بشكل كبير في حصيلة التنازل عن العملة الصعبة لدى البنك، وسوق الإنتربنك توقف هو الآخر".

تاريخياً، الألم الذي شهده الجنيه المصري خلال التعويم الحالي، لم يكن بمثل التراجع الذي مر به خلال العقد الماضي عندما وقعت البلاد على اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.

خلال شهرين عقب أكتوبر 2016 بعد تعويم الجنيه، قفز سعر الدولار أمام العملة المصرية بـ118%، وجاوز سعره وقتها 19 جنيهاً للدولار، وكان يحوم حول هذا المستوى لفترة قصيرة، قبل أن يتراجع على نحو مستمر ويستقر عند مستوى يتجاوز قليلاً 15 جنيهاً للدولار، وكان هذا السعر الرسمي قبل السماح بخفض الجنيه في مارس الماضي.