في ضوء التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي تشهدها القضية الفلسطينية، فإن على المعنيين بالقضية فلسطينيا، أن يغيّروا أداءهم بما يناسب المرحلة، وبطبيعة علاقاتهم على المستويات العربية والإقليمية والدولية. فالذي يجري اليوم في دولة الاحتلال يحتاج الى اداء نوعي آخر للخروج من حالة الرتابة المملة، خصوصا وان هناك ظاهرة مقاومة فلسطينية جديدة، يقودها شباب الألفية الثانية، مقاومة تعتمد أسلوباً مختلفاً غير تقليدي ، ويبدو ان ليس له اية ارتباطات تنظيمية بأي من الفصائل الفلسطينية المعروفة.

ان حكومة الاحتلال الحالية تمثل الوجه الحقيقي للصهيونية، بلا اية محسنات “مكياج” . حكومة تعبر عن حقيقة المشروع الصهيوني، الذي يهدف الى ابتلاع كل فلسطين التاريخية، كما وليس من المستبعد أن تكون الخطوة التالية أو ما بعد التالية شرق نهر الأردن. فالصهاينة الأوائل يعتقدون بأن  الأردن الحالي هو جزء لا يتجزأ من المشروع التلمودي الصهيوني.

ما يعزز ذلك الفهم ذلك النمو الكبير “للداعشية” اليهودية الاستيطانية، والتي تنظر الى الصراع مع العرب، “مسلمين ومسيحيين” ، على انه صراع ديني.

وقد بدا ذلك واضحا من نظرة حكومة الاحتلال لقرارات اجتماعات العقبة،  والتي تم نسفها حتى قبل ان يجف الحبر الذي كتبت به. فقد اعلنت “ترويكا” الحكومة/ نتنياهو/سموتريش/ وبن غفير، بانه لا وقف للاستيطان ولو ليوم واحد، وان تعزيز قوة الاحتلال في الضفة الغربية سوف يتعاظم، وان ما قد قيل في الأردن يبقى قي الأردن. بل وضرورة قصف المدن الفلسطينية بالطائرات والدبابات ناهيك وبعد هجوم قطعان المستوطنين على قرية حوارة، أن دعى أحدهم الى محو “حواره” عن الوجود!!
أمام تلك الغطرسة والعدوانية المتعاظمة بما فيها سياسات التهجير وهدم البيوت والقتل اليومي والقوانين العنصرية بحق المواطنين العُزل، أمام ذلك فإنني أرى أن الشعب الفلسطيني، وعلى قاعدة أن لكل فعل رد فعل، هو أمام انتفاضة ثالثة، ربما تكون مزيجاً من أسلوبي الانتفاضة الأولى والثانية. وأن بوادر ذلك يتم فعليا على أرض الواقع ، تشكيل كتيبة جنين و عرين الأسود وعمليات نوعية على امتداد الأرض الفلسطينية المحتلة، عمليات من فعل شباب فلسطيني وصل حد القناعة القطعية بأن لا جدوى أبدا من مشاريع السلام. ذلك ان مفهوم حل الدولتين قد أصبح مفهوما خشبيا لا تقر به إسرائيل ولا تعمل على ترجمته على أرض الواقع، بل وانها تسارع خطواتها الاستيطانية حتى لا يبقى هناك أرض يمكن التفاوض حولها وهو ما يطرح مجدداً تبني مبدأ الدولة الواحدة

أمام هذا الوضع الاستثنائي الجديد/ القديم، فان الضرورة تقضي إتمام المصالحة الفلسطينية وانهاء  الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة الغربية. فالانقسام هو عائق كبير أمام خطاب و جهد فلسطيني موحد. فالانقسام يمثل الخاصرة الرخوة المعيقة للكفاح الفلسطيني الراهن.

كنت بمناظرة مع السفير الامريكي السابق في “إسرائيل” مارتن إنديك في قناة الجزيرة ، متذرعاً أن الانقسام الفلسطيني هو السبب برفض أسرائيل التفاوض لتطبيق حل الدولتين!! .

ان الانقسام قد اصبح حجة على الشعب الفلسطيني ، واصبح نقطة ضعف يتذرع بها، حتى من عليهم واجب دعم  الشعب الفلسطيني في كفاحه الوطني المشروع.

لذا فإن على جميع القوى الفلسطينية ان تستجيب للجهد الجزائري الخاص بالمصالحة، بحيث لا تبقى المصالحة حبرا على ورق.

كما أننا في “مجموعة السلام العربي” كنا وعلى مدار زمني واسع، قد اتصلنا بكافة الفصائل الفلسطينية بما  فيها الرئيس عباس والسيد إسماعيل هنية، وجميعهم كانوا مع المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام!! إلا ان ذلك لابد ان تتوفر له الإرادة ليترجم على أرض الواقع.

ومن المفيد أن اُذكر ان من تجارب حركات التحرر في العالم،  حيث تؤجل الخلافات الثانوية الداخلية بين أطراف المعادلة الوطنية،  خدمة لانجاز التناقض الرئيسي والانتصار على العدو، وهذا ما تم في الصين ابان الغزو الياباني، وما تم في الفيتنام ابان الغزو الفرنسي ومن  ثم الأمريكي . انه تجميد للتناقض الهامشي حتى يتم حشد كل القوى لمواجهة العدو المركزي سواء كان غازياً أو محتلاً . وأعتقد بأن العدو الصهيوني المارق الرافض لأية حلول، يقتضى من الجميع أن يوحدوا الصفوف لمواجهة برامجه الاحتلالية التصفوية للقضية الفلسطينية .

وفي ذات السياق فانني اقترح وعند تطبيق المصالحة وإنهاء الانقسام نظاما إداريا يقوم على مركزية الهيئات والمؤسسات السيادية، ولا مركزية الهيئات والمؤسسات التنموية والإدارية، أي أنها صيغة يمكن ان تتبع فلسطينيا، صيغة أقل من الإقليمية وأكثر من اللامركزية الإدارية المتبعة في اطار الدولة الواحدة ، وذلك مراعاة للظروف الخاصة التي ترتبت على الاحتلال وعلى الانقسام الجغرافي والسياسي والإداري والاقتصادي الطويل بين الضفة والقطاع.


واتمنى على القيادة الفلسطينية أن توسع من علاقاتها الاستراتيجية على الصعيدين الأقليمي والدولي ، فلا تبقي الأمور في الحضن الأمريكي، فمقولة المرحوم الرئيس السادات، أن 100% من أوراق الحل هي في يد الولايات المتحدة، هي مقولة قد أسقطتها الوقائع والأحداث،  وبالتالي ضرورة الانفتاح فلسطينيا على كافة القوى الكبرى الصاعدة  مثل الصين و روسيا و الهند و دول البريكس ، فلهذه الدول دور متعاظم في السياسة الدولية، وأن العالم اليوم مُقبل على حرب بارده ذات اقطاب متعددة لذا لا يجوز ان تبقى السياسة الفلسطينية والعربية اسيرة لمفاهيم القطب الواحد التي في طريقها للانقضاء التام .

لقد أثبتت روسيا انها حليف صادت مثالها بذلك الوقوف الصلب الى جانب سوريا طوال تلك الحرب اللعينة التي ابتلى بها هذا البلد العربي الأوهام مقارنة بأمريكا التي انسحبت من افغانستان فجأةً وتركت حلفائها بلا غطاء، الامر الذي يجعلنا نطالب بعلاقات استراتيجية مع روسيا.

وعلى الصعيد العربي فان للمملكة العربية السعودية دور متعاظم في السياسة الدولية ، وهي اليوم الدولة المركز في الاطار العربي، وان شرطها الثابت بأن التطبيع مع إسرائيل لابد ان يقابل بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، و يتطلب أن تكون العلاقات مع السعودية والى حد بعيد مع الكويت و قطر علاقات متينة بتنسيق دائم.

كما أنه لا يوجد من مبرر واحد ان لا يتم تطبيع وتعزيز العلاقة مع ايران خصوصا وأن أشقاءنا في الخليج الذين يعانون من ايران كتهديد يحتمل وباحتلال للأرض هم على صلة وطيدة بإيران. فلماذا لا تكون القيادة الفلسطينية كذلك؟


وبعد فإن العلاقة الأردنية الفلسطينية الرسمية لا بد أن تتماهى دبلوماسيتهما بخطاب واحد ،حتى لا يكون هناك حبل ” اكروبات” يمكن أن يلعب البعض عليه، لخلق تخرصات ليست حقيقية بين البلدين والشعبين الشقيقين، الذين هما في خندق واحد سواء بمواجهة التهديد المشترك أو بالمستقبل الواحد.

والله و مصلحة فلسطين من وراء القصد

وزير اردني سابق