أعادت عملية تل أبيب أمس إلى الأذهان سلسلة العمليات المسلحة التي جرت في المدن الإسرائيلية العام الماضي، والتي فجرت موجة من المواجهة الواسعة مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي امتازت طبيعتها بالكفاح المسلح ونشوء عدد من المجموعات المسلحة انخرط فيها لفيف من المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية خاصة في محافظات شمال الضفة الغربية، وقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بعمليات قتل واسعة أثناء اقتحامات المدن والمخيمات الفلسطينية، وارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين في البلدات الفلسطينية كان أبرزها احراق المستوطنين منازل ومحلات المواطنين في بلدة حوارة.
أثارت العملية المسلحة العديد من القضايا والنقاشات بين مجموعات مختلفة من الفلسطينيين حول جدوى عودة هذا النوع من العمليات في قلب المدن الإسرائيلية وتأثيرها على الشأن الفلسطيني من جهة، وتأثير هذه العملية على طبيعة الصدام المحتدم بين المعارضة والحكومة الإسرائيلية والتحولات الجارية في المجتمع اليهودي تحديد المناهضة جرائم المستوطنين على خلفية حرق المنازل والمحال التجارية في بلدة حوارة تحديداً من جهة ثانية.
الكثير من المواطنين يرون أنّ مثل هذه العملية ترسل رسالتين رئيسيتين؛ الأولى للحكومة وأجهزة الأمن الإسرائيلية، بأنّ جميع الإجراءات والوسائل الأمنية المتخذة بالرغممن أنها تحد بشكل كبير من القيام بعمليات مسلحة إلا أنّها لن تمنع شاب أو فتاة من القيام بعملية مسلحة أيّ خرق إجراءات الأمن الإسرائيلي. والثانية للمجتمع الإسرائيلي، بأنْ تتجرع العائلات اليهودية ذات الحسرة التي تذوقها العائلات الفلسطينية إثر قتل جيش الاحتلال لأبنائها.
في المقابل، يرى آخرون أنّ الجدوى السياسية ضعيفة من مثل هكذا عمليات تتركز أساساً في مناطق تجمعات مدنية وتجارية وترفيهية ما يضعف من التضامن الدولي أو تضعف من المظلومية الفلسطينية خاصة في ظل قدرة الحكومة الإسرائيلية على تجنيد واسع للإعلام العالمي لصالح روايتها.
ويشير آخرون إلى أنّ تأثيرها على فرص تحولات في المجتمع اليهودي خاصة في مدينة تل أبيب عكسية ويعيقها؛ فالبعض من المجتمع اليهودي تنبهحديثا لخطورة الاستيطان وطبيعة المستوطنين بعد جرائمهم في بلدة حوارة، والبعض الآخر يرى في فكر أحزاب المستوطنين الموجودين في هذه الحكومة خطراً على المجتمع اليهوديوالدولة ذاتها.
في كل الأحول هذا النقاش أو عودته أمر صحي، ولا بد منه، في إطار مجتمعي يأخذ في الاعتبار قواعد النضال الوطني وأهدافه وإحراز تحولات ليس فقط في طرائق عمل المقاومة الفلسطينية، بل أيضا في إطار تعظيم الاستفادة منها في المسارات المختلفة والمتعددة؛ بما يعظم من الانخراط الواسع في طرائق النضال الوطني، ويوسع من التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية لتوليد ضغطاً دولياً على حكومة الاستعمار الإسرائيلي، ويعمق رفض شرائح متعددة في المجتمع اليهودي الاستعمار الإسرائيلي، ويزيد من عبء الاحتلال على الحكومة الإسرائيلية.