هنا عاشَ جَدي
وامتَزَجَ عرَقَهُ بالتراب
وعانَقَت انامِلَهُ الحجارة
التي ادمتها الأشواك
وبناء السناسل سرارةً فوقً سرارة
هنا غرسَ جدي محراثه مراراً
وأشبعَ الأرضَ بمحرابهِ الجبارة
كان بكلِ عزمٍ يستَقبِلَ الصباح
وبهمةِ الفلاح يمتطي مع بزوغِ الفجر فَرَسَهُ أو حٍمارَه
هنا عاشَ جدي ليحكي لنا أصلَ الحكاية
ليروي لنا قِصةَ الأسلاف
بٌناةَ الأرضِ وحراسَ المكان منذ بدايةِ البداية
قبلَ ما يزيدَ عن خمسةِ الافِ عام
حيث استقرَ هنا جَدَه كنعان
بعد أن جالَ مصرَ وعدنَ والحجازَ ونجدٍ والعراق وعمان
فجدي لم يكن يوماً عابراً
لقد خطَ على الصخر لإسمِه عنوان
وزَرَعَ انفاسَهٌ في كلِ شِبرِ من ترابِ هذه الأرض المباركة
ورسَمَ خريطةَ أجدادِهِ في الجبال والصحاري والوديان
فعطرية جدَتِه حليمة كانت مدفونةً في مَغارةٍ مخفية
ملونَةَ بالأرجوان وتُشبِهُ في تفاصيلها المزهرية
وحديقَتُهُ كانت مزينةً بحجارةٍ نُقٍشَت عليها الجنيهات الفلسطينية
أما القدس
فقد استوطنت في قلبه وطَبَعَ صورَتها على جدارِ العلية
وكان لديه نسخةً لخريطةِ فلسطين
بعروسها يافا وبوابِتها حيفا وأمَ حضارتها عكا بأسوارِها الأبية
فلم تَقتَصِر خريطةَ جدي على نابلس وغزة وأريحا وطولكرم وجنين والعيزرية
بل امتدت من صفد الى نهاريا إلى قيساريا إلى طبريا
ابتدات من سيناءِ مصر إلى نهر الأردن إلى البحر إلى لبنان والجولان
هذِه فِلسطينُ جدي التاريخية
فلسطين التي عرفها جدي ليست كنتوناتِ العزلِ الحالية
فلسطين التي اعرفها من جدي كانت مزاراً لكل الشعوب والأطياف
وفيها ازدهرت اعرق الحضارات
وانطلقت منها إلى العالمية
فلطالما أخبرنا جدي عن رٍحلاتِهِ من فلسطين إلى الحجاز إلى الشام
حيث لا حواجزَ ولا موانعَ ولا احتلال
فثقافة جدي لم تكن أبداً عادية
عرف التجارة
وَصَدَرَ البطيخ والليمون والسفرجل والبرتقال
وبرغيفٍ من الخبز وبيضة
درس في الكتاتيب وتعلمَ الحساب وفن السياسة وقراءة القرآن
وعَشِقَ الأرض وأطعَمها من سنينِ عمرهِ واهداها ايامَهُ المنسية
جدي حكايةُ شعبٍ نُسِجَت على ارضٍ فلسطينية.