رواية «الدار الكبيرة « للروائي الجزائري محمد ديب تقع في ثلاثة أجزاء؛ النول، الحريق، الدار الكبيرة. هذه الرواية كانت البوابة لأتعرف على أدب الجزائريين عندما عملت فيها في أواخر ستينيات القرن الماضي، هذه الرواية التي كتبتُ دراسة عنها دفعتني لأن ألتقيَ بالروائي الطاهر وطار المحرر الأدبي في صحيفة الشعب اليومية وأكتب فيها زاوية ثابتة في صفحتها الأخيرة بعنوان «من المفكرة»، وأنشر قصصاً قصيرة ونقداً أدبياً في مجلة «آمال» الأدبية، كتبتُ أيضاً في مجلة المجاهد الجزائرية الأسبوعية، فقد كان الفلسطيني وما يزال مناضلاً يحترمه الجزائريون، تعرفتُ على الإعلامي والأديب الساخر محمد الأخضر السائحي في مقهى اللوتس في العاصمة، التقيتُ بالشاعر، مالك حداد المتوفى عام 1978م، وتابعتُ بشغف أخبار الشاعر والروائي الأممي، كاتب ياسين.
كان المناضل والقاص والشاعر، مالك حداد من معاول الثورة الجزائرية الثقافية ولد في مدينة قسنطينة في الغرب الجزائري، كان من أبرز الشعراء باللغة الفرنسية، يُنسب له أنه قال مقطوعة مازلتُ أحفظُ شطراً منها: «إني أرطنُ ولا أتكلم، إنَّ بلساني لكنة، أنا معقود اللسان»! استغرب الشعراء الفرنسيون من ذلك وقالوا له: «إنك تكتب بلغة فرنسية أفضل منا» رد عليهم قائلاً: «لو كنتُ فصيحاً غير معقود اللسان، لقلتُ شعراً عربياً»! حينئذِ أدرك الأدباء الفرنسيون فلسفته المتمثلة في الحفاظ على هُويته العربية الوطنية! ومن الطرائف التي تُنسب للشاعر مالك حداد، أو كاتب ياسين: أنه كان يلبس الزي الجزائري البدوي، وكانت تُجاوره في عربة القطار امرأة فرنسية من المستعمرين، معها طفلها الصغير، ظنَّتْ أن الشاعر قرويٌ جزائري لا يفهم اللغة الفرنسية، أرادتْ أن تُخيف ابنها وتمنعه من الاقتراب منه، فقالت له: ابتعد عنه حتى لا يأكلك! ردَّ عليها بلغة فرنسية «الجزائريون لا يأكلون (الحلوف) الخنزير!
أما الأديب اليساري، كاتب ياسين هو الشاعر والمسرحي وكاتب رواية (نجمة) العالمية، المولود أيضاً في قسنطينة 1929 والمتوفى في فرنسا عام 1989م وهو كاتب باللغة الفرنسية أيضاً قال يوماً: «أنا أكتب باللغة الفرنسية لأثبت للفرنسيين أنني لست فرنسياً» وهو القائل أيضاً: « أعتبر اللغة الفرنسية غنيمة حرب»!
أما المفكر الجزائري البارز مالك بن نبي، هو أيضا من مدينة قسنطينة توفي عام 1973م كتب عشرات الكتب، أبرزها كتاب «مشكلة الفكر في العالم الإسلامي» وكتاب «الظاهرة القرآنية، وشروط النهضة»، انتقل إلى القاهرة قبل استقلال الجزائر، ثم عاد إليها بعد استقلالها، هو صاحب القول الحكيم: «يجب على المسلمين أن يعطوا الفكر المرتبة الأولى في اهتمامهم، يميل أكثر المسلمين إلى الرجوع لتراث السلف، بدلاً من البحث عن معاول التقدم والتجديد، ما جعلهم يعيشون حالة من الفوضى» (من كتابه «الإسلام في التاريخ»).
مالك بن نبي، تُنسب له قصةٌ أخرى أثناء تناوله لوجبة الغداء في أحد المطاعم الفرنسية كان يلبس زيه الجزائري، يأكل مستخدماً يديه، ولم يستخدم الشوكة والسكين والملعقة، كانت تراقبه امرأة فرنسية تجلس على الطاولة المجاورة، فسألته بلغة ساخرة مستهزئة: لماذا لا تستخدم أدوات النظافة في الأكل، الملعقة والشوكة والسكين؟ ردَّ عليها بسرعة قائلاً: يدايَ نظيفتان! هذه الأدوات مخصصة لأصحاب الأيدي القذرة! بسرعة تركت هذه المرأة وجبتها وخرجت مهزومة!
أخيراً، سألتُ أستاذاً بارزاً للنقد الأدبي في إحدى جامعاتنا منذ سنواتٍ عن الأسماء الواردة في مقالي، فتح عينية ونظر إليَّ باستغراب، فهو قد سمع بأسمائهم للمرة الأولى!