تشرفتُ يوم الثلاثاء الماضي بالمشاركة بلقاءات تنموية متنوعة من حيث الأهداف والمناطق المستهدفة والقطاعات والفئات، تمثلت في: دعم الصمود في المجتمعات الفلسطينية في الأغوار من خلال مركز العمل التنموي "معا"، القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في القدس، تنظيم وكالة بيت مال القدس الشريف بالتعاون مع جامعة القدس، لقاء خريجي جامعة بيرزيت.
يوم متعب كان، لكنه زودني بعدد من الأطروحات والمشاهد وربما بأفكار نقدية تتناقض مع بعضها البعض، إذا ما نظرنا للحالة التي وصلنا اليها من حيث المفاهيم الدولية للتنمية المستدامة وواقعنا في ظل الاحتلال، والتغيرات العالمية وتبعياتها على قضيتنا الفلسطينية، وآثار ذلك على مجمل الحياة الفلسطينية.
الاحتلال هو الاحتلال يشوّه الاقتصاد والزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والصناعة والرياضة والثقافة وجميع القطاعات، والأهم انعدام الأمن، ما أنتج قضايا أكثر تعقيداً في ظل الظروف الراهنة مثل ارتفاع نسبة البطالة وهبوط أكثر من ثلث الأُسر تحت خط الفقر. وفي الوقت نفسه، الحياة تصبح باهظة التكلفة، والاعتماد على اقتصاد إسرائيل يتعمق.
لنعترف بأن أي عملية تنموية استنهاضية لأي منطقة جغرافية في واقعنا الفلسطيني أصبح لها خصوصية تختلف بشكل كبير عن أي منطقة ولو كانت مجاورة لها، ما أدى الى بروز احتياجات وخلخلة في موازين تلبية المطلوب وربما إلى تراجع حاد وانهيارات متتابعة.
عندما نتحدث عن منطقة الأغوار وتشريح الخارطة المكانية والبشرية والإمكانيات المتوفرة، نجد بأن المطلوب التعامل مع هذه النتائج بشكل يتلاءم مع التطوير دون أي عمل تقليدي، وكذلك القدس لأنه لا يعقل التعامل معها بمعزل عن حالة الغطرسة الكولونيالية الإسرائيلية وقوانين العنصرية التي تلاحق الحجر والبشر، والمشاريع التي تنفذ هناك ومن يقف خلفها بعيدين عن الحقيقة الواقعية المُرة!
أما لقاء خريجي جامعة بيرزيت_ التي أنحاز لها بكل عنفواني دون أي تردد_ أخذني الى مفاهيم بعيدة عن هدف اللقاء، لكنه يتلاءم مع روح المقال وهو التنمية البشرية، كم كنت سعيداً عندما التقيت بزملائي الخريجين من مختلف الفئات العمرية وهم الآن يتبوؤن مواقع قيادية في مختلف الأماكن الحزبية والفصائلية، القطاع الخاص، القطاع العام من مؤسسات مدنية أو أمنية، مؤسسات المجتمع المدني بمختلف توجهاتها؛ استثمار بشري لدى جامعتنا كبير جداً، لكن هل يتم الاستفادة منه بما يحميها ويطورها؟! الإجابة للأسف لا!!
  أدى تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية إلى حدوث أزمة مالية عميقة، بالإضافة الى انخفاض حاد في مساعدات المانحين، وفجوة تمويلية كبيرة وتراكم أدىّ إلى زعزعة استقرار الدين المحلي وعائدات القطاع الخاص، بطبيعة الحال سيؤدي ذلك الى كسر معاول التنمية والتمكين وتجميد أي فعل تطويري سواء في القدس أو الأغوار أو في جامعة بيرزيت أو حتى في أصغر قرية فلسطينية!!
الخارطة القطاعية التنموية في ظل الظروف الحالية بحاجة الى إعادة صياغة وتفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول خلاقة مبدعة، ويتحمل المجتمع الدولي قدراً كبيراً من المسؤولية في هذا الصدد، ويجب أن يترجم خطابه إلى أفعال من خلال ممارسة الضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها غير الشرعي.
بعد نهاية يوم الثلاثاء الطويل، خرجت بثلاثة أنشطة وفعاليات سأقوم على تنفيذها بالشراكة مع الجهات القائمة؛ لن تكون تقليدية وبالتأكيد تنموية من خلال تعزيز الصمود التنموي للمرأة في منطقة الأغوار، وبرامج شبابية تتلاءم مع تطوير المهارات للشباب المقدسي ضمن احتياجاتهم بالدرجة الأولى، ومحاولة استثمار الطاقات الكبيرة لدى خريجي جامعة بيرزيت بما يشكل حماية ورافعة لها في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها وتواجه القضية الفلسطينية بشكل عام.