أقامت ما تسمى جماعات «جبل الهيكل» يوم أول من أمس، «بروفات» على ذبح القرابين، وذلك بمناسبة عيد الفصح التقويم اليهودي، والذي يبدأ غداً ويستمر نحو أسبوع، وذلك على مقربة من المسجد الأقصى. وحقيقة الأمر أن المتطرفين من المستوطنين اليهود، دأبوا منذ سنوات على محاولة تقديم القرابين داخل المسجد تمهيداً للشروع في هدمه، لكن محاولتهم هذا العام تنطوي على خطر مضاعف مع ازدياد احتمال تنفيذها، وهي يمكن وصفها بمثابة القنبلة التي نزع صاعقها، أو مثل القنبلة الموقوتة التي بدأت تتكتك، إيذاناً ببدء العد التنازلي لانفجارها، وذلك بعد أن نجح المتطرفون من المستوطنين ومتدينيهم المتشددين بالوصول إلى مواقع مهمة في حكومة نتنياهو عبر كل من ايتمار بن غفير وبتسئليل سموتريتش.
وقد تضاعف الخطر حين أرسل 15 حاخاماً برسالة إلى كل من نتنياهو وبن غفير، يطالبون فيها بالسماح للمستوطنين بذبح القرابين في المسجد الأقصى، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه جماعات الهيكل عن عرض مكافآت ليس لمن ينجح في ذبح القربان داخل المسجد وحسب، بل ولكل من يتم إيقافه وهو يحاول أن يقوم بذلك الفعل المشين.
غني عن القول، بأن نتنياهو نفسه، فضلاً عن بن غفير، كل منهما يرغب في فعل ذلك الأمر، لكن بالطبع ما زالت الضغوط أو ردود الفعل الفلسطينية الميدانية أولاً ومن ثم الرسمية والإقليمية وحتى الدولية تمنع حدوث ذلك الفعل الرهيب.
لكن ورغم أنه من غير المتوقع أن تسمح الشرطة الإسرائيلية، لأي من متطرفي المستوطنين بذبح القربان داخل الحرم، إلا أن يوم غد والأيام التي تليه ستشهد اشتباكاً، لا أحد يعلم حتى اللحظة مداه، خاصة أن عيد فصح اليهود يقع هذه الأعوام خلال شهر رمضان.
وما يزيد الطين بلة، هو إن إسرائيل _حسب رئيس الشاباك رونين بار_ تتلقى العديد من التهديدات الأمنية غير المسبوقة، حيث أن إسرائيل وفق بار، تعيش ذروة أمنية حساسة ومعقدة بحجم تهديدات غير مسبوقة، حيث يحبط الشاباك والجيش والشرطة والموساد ليل نهار، أي يومياً، عمليات في ميادين قريبة وبعيدة.
كل هذا يحدث وإسرائيل تغلي من الداخل على وقع محاولة الحكومة تعديل النظام القضائي للدولة، وفي ظل احتكاك ميداني يشهد كل يوم عمليات قتل تقوم بها القوات الإسرائيلية، الجيش والشرطة والمستعربون، ضد الشبان الفلسطينيين، خاصة في القدس، وخير دليل على «توتر» الجيش الإسرائيلي هو إقدامه على قتل الشاب العربي من النقب محمد العصيبي، قبل أيام بدم بارد.
وإسرائيل ما كادت تنجح بتبريد ملف إصلاحات القضاء، حتى انفتح باب آخر، كان بمثابة الثمن الذي دفعه نتنياهو _كما أسلفنا في مقالنا السابق_ لبن غفير مقابل موافقته على قبول تعليق خطة إصلاح القضاء، وعدم تفكيك الائتلاف الحاكم، ونقصد بذلك موافقة نتنياهو على تشكيل «الحرس الوطني» وهو عبارة عن جهاز أمن خارج نطاق مؤسسات الدولة، ويتبع لابن غفير، وبذلك بات واضحاً تماماً، بأن نتنياهو لا يسيطر على حكومته، ولا يتحكم بمقودها، بل هو عملياً أسير لبن غفير وسموتريتش، لأن بيديهما مفتاح الإبقاء على الائتلاف الحاكم، أو فرط عقده.
هذه الحقيقة باتت تترسخ بسرعة داخل المجتمع الإسرائيلي، وهي باتت المادة الدعائية للمعارضة، التي تحقق نجاحات متلاحقة بمظاهراتها الكبيرة المستمرة في الشوارع.
وقد بدأت الفوضى تنتقل من الشارع إلى الليكود، ففي الأسبوع الماضي، حين أعلن نتنياهو عن إقالة وزير الأمن يوآف غالانت، ثم تراجع مقابل اعتذار، أعرب نواب كنيست ليكوديون عن تأييدهم تعليق خطة إصلاح القضاء، أما إقرار الحكومة تشكيل الحرس الوطني، واقتطاع ما نسبته 1،5 % من ميزانيات الوزارات المختلفة لصالح ذلك التشكيل فقد أثار الجدل داخل الحكومة نفسها، حيث عارض اغلب الوزراء تلك الاقتطاعات.
إن إسرائيل تعيش حالياً مأزقاً حقيقياً، والسبب لا يكمن في وصول مقاومة الاحتلال لذروتها، ولا لأن المحيط قد وصل للحظة متقدمة من محاصرتها أو رفضها، ولكن السبب الرئيسي يعود إلى كونها وصلت لذروة التطرف الداخلي، الذي يذهب بها بسبب احتلالها وبسبب عقود من هذا الاحتلال حاولت وما زالت تحاول خلالها أن تحافظ عليه بأدوات القمع والقتل، إلى التحول بالمجتمع الداخلي إلى مجتمع من الكراهية، وذلك بتشجيع الأفراد على كراهية الآخر، لدرجة قتله، وهذه وصفة مميتة لأي مجتمع، ذلك أن تربية وتثقيف الأفراد على كراهية الأخر وعلى العنصرية، لا بد أن ترتد للداخل، وهذا ما حدث في إسرائيل، ولعل تقديرات العديد من خبراء السياسة الأميركيين بمن فيهم سفراء عملوا في إسرائيل وغيرها من الدول العربية، بأن العلاقة الإستراتيجية الخاصة بين أميركا وإسرائيل، كان مبعثها أن أميركا كانت ترى في إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أما في حال تحولها لدولة دكتاتورية ونبذها ليبرالية الدولة، فذلك يعني بأن علاقتها مع أميركا ستتغير دون شك.
وكما هي الدول دائماً، فإن العداء مع الخارج، يوحد الداخل، ولكن إلى حين، فحين تواصل الدولة_أي دولة، السير على طريق عسكرة الدولة، خاصة وهي تواصل احتلال ارض وشعب الغير، فإنها تصبح دولة متناقضة مع الطابع المدني، وبالتالي الديمقراطي، وهكذا فإن ظهور المطالبة باعتبار إسرائيل دولة يهودية، ومن ثم تعزيز قوة القوى العنصرية، والمتشددة دينياً، أبعد إسرائيل كثيراً عن كونها دولة مدنية ديمقراطية، وهي لن تكون كذلك إلا إذا كانت دولة لكل مواطنيها، وهكذا فإن تحول إسرائيل لدولة ديكتاتورية بات أمراً محتملاً، ويبدو بأن لحظة مواجهتها للحقيقة القاسية، أي أن تضطر إلى الاختيار بين أن تكون دولة محتلة، ومن ثم عنصرية ودكتاتورية عسكرية، وبين أن تضع حداً لاحتلالها أرض دولة فلسطين، لتكون دولة طبيعية مدنية ديمقراطية، ولا حل وسط بين هذين الخيارين. وها هي القنبلة تتكتك، وقد بدأت في العد التنازلي، فإما الحريق داخل إسرائيل، وإما الحريق حولها، وبعد كل هذا الوقت مع مرض الاحتلال، لا بد من عملية قيصرية، قد تنقذ الإسرائيليين وجيرانهم من حرب ضروس، أو قد تأتي عليها، فهل هناك من قوة داخلية يمكنها أن تحرر إسرائيل من التطرف، أم أنه لا مناص من الانحدار في مجرى التطرف الخطير للغاية ؟!