صدى نيوز - بسبب محاولته للدفاع عن فتاة فلسطينية اعتدى عليها الاحتلال أمام المسجد الأقصى، قتل جنود إسرائيليون الشاب الفلسطيني محمد خالد العصيبي، حسب شهود عيان فلسطينيين، بينما تزعم إسرائيل أنه حاول قتل جنودها، وهي الرواية التي تشكك فيها مصادر إسرائيلية.

مما يثير الشكوك في الرواية الإسرائيلية أن سلطات الاحتلال تزعم أنه لا توجد كاميرات مراقبة في منطقة الحادث التي تقع بجوار الأقصى، أي في واحدة من أكثر مناطق العالم خضوعاً للمراقبة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

وفتحت الشرطة الإسرائيلية النار على هذا الشاب الفلسطيني عند باب السلسلة المؤدي إلى المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، وهو يبلغ من العمر 26 عاماً، وينتمي لبلدة حورة الجنوبية الواقعة في النقب.

وزعمت شرطة الاحتلال أن العصيبي جاء إلى المكان بنيةِ مهاجمة جنودها، وأن الجنود طالبوه بمغادرة الموقع، لكنه انتزع مسدساً من أحد الجنود، وأطلق رصاصتين على ضابطين من شرطة الحدود الإسرائيلية كانا يقفان في مكان قريب، فردَّ ضباط الشرطة الآخرون بإطلاق النار عليه، وأردوه قتيلاً.

في مقاطع الفيديو التي التقطها فلسطينيون في الموقع بالتزامن مع إطلاق النار على العصيبي، يمكن سماع ما لا يقل عن 15 طلقة نارية. أما رواية شرطة الاحتلال فلا تستند إلى صور ولا مقاطع فيديو.

يأتي ذلك على الرغم من أن تلك المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها كيلومتراً مربعاً من البلدة القديمة في القدس ربما تكون أكثر المناطق ازدحاماً بكاميرات التصوير والمراقبة في العالم. فهي مرصودة بمئات الكاميرات الخاصة بمنظومة المراقبة "مابات 2000" التابعة للشرطة الإسرائيلية، والتي تنتشر في كل متر تقريباً من البلدة القديمة، وعلى رأسها منطقة مجمع المسجد الأقصى. لكن شرطة الاحتلال تزعم أن "الحادث" وقع في "منطقة عمياء" لا تغطيها كاميرات المراقبة التابعة لها.

وأحصت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الخاصة 7 كاميرات على الأقل في المكان.

وتستدعي تلك القضية ذكرى الواقعة التي حدثت عام 2020 وأطلقت فيها شرطة الاحتلال النار على الشاب الفلسطيني الأعزل المصاب بالتوحد إياد الحلاق، وقد زعم الاحتلال حينها أيضاً أن الكاميرات لم تسجل الواقعة. ثم تبين فيما بعد أن رواية شرطة الاحتلال للواقعة رواية كاذبة بالكامل، والضابط الذي قتل الحلاق يحاكم الآن بتهمة "التهور المفضي إلى القتل"، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

واستذكر فلسطينيو الداخل كذلك واقعة إطلاق النار على المعلِّم يعقوب أبو القيعان، من حورة النقب، وقتلِه في عام 2017؛ إذ سارعت شرطة الاحتلال وقتها أيضاً بإطلاق النار بلا داعٍ، ثم نشرت رواية عن هجوم محتمل واتضح بعدها أن الرواية كاذبة.

قتل بعد محاولته حماية فتاة فلسطينية اعتدى عليها الجنود ولا قرائن على نيته مهاجمتهم
وفي الواقعة الأخيرة الخاصة بالشهيد محمد خالد العصيبي، تقول رواية شهود العيان الفلسطينيين إن شرطة الاحتلال أطلقت النار على العصيبي إثر مشاجرة اندلعت بعد أن اعتدى جنود الاحتلال على شابة فلسطينية، ففزعَ العصيبي لحمايتها ودفعَ الجنود عنها، ففتحوا عليه النار من مسافة مترين.

من جهة أخرى، تختلف القرائن مع مزاعم شرطة الاحتلال بأن العصيبي جاء إلى المسجد وهو ينوي مهاجمتها، فهو لم يكن يحمل سلاحاً، وملفه الشخصي لا يتوافق مع المواصفات المعتادة للمهاجمين في عمليات "الذئاب المنفردة" على قوات الاحتلال؛ ولذلك فإن الفلسطينيين والقيادات العربية في الداخل الإسرائيلي محقون في الشك في رواية شرطة الاحتلال، حسبما ورد في تقرير صحيفة Haaretz.

جاء مقتل العصيبي بمنزلة النهاية لتسعة أيام مما عدَّته شرطة الاحتلال سيطرةً ناجحة لها على القدس خلال شهر رمضان، فقد زعمت أنها استفادت من دروس العامين الماضيين، وقلّلت تدخلها في ممارسة المسلمين لشعائرهم بالمسجد الأقصى وتقاليد رمضان في القدس عموماً.

كما ادعت أنها قلّصت من حضورها عند مناطق التوتر في باب العامود وغيرها. وذلك على خلاف رمضان 2021، الذي شهدت لياليه كلها تقريباً اشتباكات عنيفة وعشرات الإصابات بين الفلسطينيين برصاص قوات الاحتلال المطاطي، وهي الأحداث التي تصاعدت حتى أفضت إلى استنفار المقاومة في غزة واندلاع معركة "سيف القدس" (عملية "حارس الأسوار" في التسمية الإسرائيلية).

قبل مقتل العصيبي، كانت شرطة الاحتلال تفتخر بنجاحها في السيطرة على القدس هذا العام وتبدي تفاؤلاً حذراً حيال الأيام المقبلة. لكن هذه الواقعة تأتي من بين أسوأ السيناريوهات لدى شرطة الاحتلال وجهاز الأمن العام "الشاباك"، فقد أصبح العصيبي "شهيداً للأقصى" لدى الفلسطينيين بعد مقتله على أبواب المسجد، وهو ما ينذر باشتعال التوتر داخل الحرم وفي البلدة القديمة والأحياء الفلسطينية المحيطة. وقد أعلنت لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي الداخل (عرب إسرائيل) بالفعل إضراباً عاماً للاحتجاج على جريمة قتل العصيبي، وهو ما يشي بإمكان تفاقم الأمور أكثر من ذلك.

لكن الاختبار الحقيقي سيحلّ في الأيام المقبلة، فمنظمات "العودة إلى جبل الهيكل" المتطرفة دعت إلى تنظيم فعاليات لذبح قرابين عيد الفصح في المسجد الأقصى يوم الأحد المقبل 9 أبريل/نيسان. وكما هو الحال كل عام، تبذل تلك المنظمات وأنصارها قصارى الجهد لاستفزاز الفلسطينيين، وقد وزعوا منشورات تعرض أموالاً على اليهود الذين يتمكنون من ذبح قربان في باحات المسجد الأقصى، وحتى لمن حاولوا وأوقفتهم الشرطة. فقد أعلنوا عن مبلغ قدره 1500 شيكل لمن يُقبض عليه ومعه ماعز في طريقه إلى هناك، ومبلغ 2500 شيكل لمن يقبض عليه بالقربان داخل باحات الأقصى.

يأتي ذلك في الوقت الذي دعت فيه حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، الجمعة، الفلسطينيين إلى شد الرحال والرباط في المسجد الأقصى بمدينة القدس. جاء ذلك في بيانين منفصلين أصدرتهما الحركتان، في الجمعة الثانية من شهر رمضان.

ربما تنقضي الأمور بلا حوادث كبيرة، وتتمكن شرطة الاحتلال من تهدئة المتطرفين في عيد الفصح اليهودي باحتجاز العناصر المتطرفة بضع ساعات. لكن ذلك لن يقلل من استنفار الفلسطينيين الذين يرون في ذلك كله اعتداء على حرمة المسجد الأقصى بمعاونة من سلطات الاحتلال، لا سيما أن الوزير الإسرائيلي المسؤول عن الشرطة الآن (إيتمار بن غفير) كان حتى وقت قريب ناشطاً في هذه المنظمات المتطرفة، وأحد المحرضين على اقتحام المسجد الأقصى في شهر رمضان وغيره.