كتب رئيس تحرير صدى نيوز: تجاوز عمر إضراب المعلمين حاجز الشهرين، مليون طالب تقريباً في الشوارع، وفصل دراسي مهدد، بل جيل كامل مهدد بضعف التحصيل العلمي خصوصاً بعد الخروج من سنوات كورونا التي "سُلقت فيها المناهج سلقا".
خرج طلبة المدارس من التعليم عن بعد والذي سجلت عليه وعلى فعاليته ملاحظات عديدة من أخصائيين وتربويين، حتى سقطوا في مستنقع إضراب المعلمين الذي لم تفلح كل الجهود على مدار شهرين من وقفه أو حله، فأين مكامن الضعف؟ ومن المسؤول عن هذه الكارثة التعليمية؟ ومن الذي يعطّل سير الاتفاقيات والتفاهمات والمبادرات لحل الأزمة؟
يقف المعلمون على الجبل رافضين النزول حتى لو رأوا بعض الغنائم متناثرة هنا وهناك، فبعض مطالبهم تحققت فعلاً، إلا أنهم يرفضون وقف الإضراب أو حتى تخفيفه مثل استئناف دوام التوجيهي والصف الأول.
يريد المعلمون تحقيق جميع مطالبهم دفعة واحدة، من تنفيذ اتفاق عام 2022 إلى الـ15% إلى صرف رواتب كاملة، إلى انتخابات اتحاد المعلمين فمهننة مهنة التدريس، وغيرها من المطالب التي من المستحيل تحقيقها وفق الظروف الحالية رزمة واحدة، وفي الجهة المقابلة كانت الحكومة الفلسطينية متلكئة جداً في تعاطيها مع الإضراب، وحتى اليوم، فتأخرها في تحقيق مطالب حراك المعلمين الأولى والتي كان بالإمكان تحقيقها هو الذي تسبب بالدخول في دوامة الإضراب.
شهران كاملان تتعطل المسيرة التعليمية في فلسطين وطرفاها (الحكومة والحراك) يتناطحان، دون تدخلٍ جاد من أي فصيل فلسطيني، شهران والأزمة تتفاقم والكل يتفرج، شهران من الحرمان العلمي، والتجهيل القاسي ولم تجد الأزمة من يحاول حلها، فكبرت كرة الثلج، حتى باتت تتطلب ألف حلال وحلّال لفكفكة عقدها.
شهران واتحاد المعلمين المنبوذ من فريق كبير وسواد أعظم من المعلمين يتظاهر بالشرعية و"الطرش" في نفس الوقت، فلو كان حريصاً على المعلمين والطلبة لاستقال ولاستراح وأراح، لكن "الكفر عناد"!
فرّ المعلمون من الجسم الذي من المفترض انه يمثلهم لأنهم لم يجدوا فيه شرعية أو تمثيلاً او ديموقراطية، فروا منه إلى حضن حراك المعلمين، ذلك الهيكل الذي لا يُعرف من يقف وراءه أو يغذيه –رغم أن كل مطالبه محقة وعادلة- إلا أنه نجح في استقطاب المعلمين الذين رأوا فيه المخلص والمحقق لأمالهم وطموحاتهم وحقوقهم، ومنذ تلك اللحظة سقط اتحاد المعلمين ومات، فالشرعية انتزعت منه وأعطيت للحراك الذي ببيان منه يحرك جيشاً من عشرات ألوف المعلمين.
بعد حوالي شهرين على الأزمة بدأت شخصيات سياسية تتصدر المشهد، وتطرح مبادرات للحل، لكن القطار كان قد انطلق منذ زمن، والمطالب باتت بسقف عالٍ، ولا مجال للتراجع أو خفض السقف من وجهة نظر الحراك والمعلمين.
فوق كل نقاط الضعف هذه، لمس الشارع الفلسطيني تناقضاً في مبادرات السياسيين، وكإنها كانت تخرج (مجاكرة) أو لتنسف وتهدم المبادرات التي تسبقها، أي أن البوصلة لم تكن الطلبة والمعلمين، بل تحقيق مآرب سياسية، وأهداف خاصة، وهذا ما أفشل المبادرات جميعها.
إذن فالحكومة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، والفصائل والسياسيون يتحملون جزءاً آخر من الفشل في إدارة الأزمة، وكذلك حراك المعلمين الذي ظهر جلياً ضعفه النقابي، وعدم قدرته على الحوار البناء، عندما جعل سقف المطالب عالياً دون إمكانية التنازل عن مطلب واحد كبادرة حسن نية، رغم أن الحكومة قدمت بعض مطالبه.
كذلك فإن ضبابية الحراك وعدم وجود قيادة معروفة له للحوار معها كان سبباً في استمرار الأزمة، فالحراكيون يرون أن الأمر لا يعدوا كونه خوفاً من الاعتقال وتأميناً للكوادر التعليمية التي تقوده، إلا أن الحكومة وجدت في ذلك نقطة ضعف لاتهام الحراك بالأجندات.
المصيبة في إضراب المعلمين الحالي هي تكشّف العورات ونقاط الضعف، فهل من المعقول أن يستمر الإضراب كل هذا الوقت ولا يجد من يستطيع حله من القيادة والفصائل والحكومة والمجتمع المدني؟ هل من المعقول أن يُضحى بجيل كامل لأجل عيون المعينين تعييناً في الأمانة العامة لاتحاد المعلمين؟ الشارع قد يفهم ويتقبل أن هناك عجزا ماليا لكن كيف سيتفهم عجز القيادات عن تنفيذ مطلب نقابي مُحق واذا لم يستطيعوا فلماذا لم يعطوا تقريرا حقيقيا للرئيس والذي لم ينفذوا قراره في العام 2016 بهذا الشأن؟
المستهجن موقف الفصائل والتي تتوسط في حل الأزمة بل وتقف مع مطالب المعلمين ولكنها لم تطلب من كوادرها الاستقالة من الأمانة العامة للاتحاد المرفوض من المعلمين! فمن يا ترى يحمل أجندة سياسية؟
في ظل هكذا مشهد، سيظل الإضراب مستمراً، وسيظل أولادنا في الطرقات، وستظل الصفوف الدراسية فارغة، وسيظل الحراك في نظر المعلمين الممثل الشرعي والوحيد!.. إلا إذا تبدّل الحال، وتقدمت مبادرات قوية للحل، وهذا ربما لن يحدث إلا بتدخل مباشر وشخصي من رأس الهرم السياسي الفلسطيني.. من الرئيس محمود عباس.