تعاني فلسطين منذ عقود من مشكلة الفقر، حيث يعيش الكثير من المواطنين في ظروف صعبة وتحديات اقتصادية كبيرة. ويتأثر الفلسطينيون في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة بالفقر، وتتفاوت نسبة الفقر بين المناطق والمحافظات، ووفقًا لتقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2020، فإن معدل الفقر في القدس الشرقية بلغ 75.6%، بينما بلغ معدل البطالة في المدينة 18.1%. . فيما أوضح تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في عام 2022 أن ما يقارب ثلث السكان (29.2%) في فلسطين يعانون من الفقر، وبلغت نسبة الفقر في قطاع غزة (53%) بينما بلغت في الضفة الغربية (13.9%).
ويعد الاحتلال الإسرائيلي من أهم العوامل التي تؤثر على مستوى الفقر في فلسطين، حيث يفرض قيودًا عديدة على الحركة والتنقل والتجارة والاستثمار، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الفلسطيني ويزيد من معدلات البطالة والفقر. كما تتسبب الحروب والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الدائمة التي تشهدها فلسطين في زيادة مخاطر الفقر وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وتزيد العوامل البيئية ونقص المياه والموارد الطبيعية من معدلات الفقر في المناطق الريفية تحديدا.
ومن المعلوم أن الفقر هو ظاهرة متعددة الأبعاد وهذا المفهوم يشير إلى أن الفقر ليس مجرد نقص في الدخل والثروة، بل إنه يشمل العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على حياة الأفراد وتعيق قدرتهم على العيش بكرامة. إذ تشمل الأبعاد المختلفة للفقر على سبيل المثال لا الحصر: الفقر المادي، وعدم الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية والتعليم، وعدم الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي، وعدم الوصول إلى فرص العمل الكافية والعادلة، والتمييز والاستبعاد الاجتماعي والسياسي، وعدم الوصول إلى المساواة في فرص النمو الاقتصادي والتنمية. ويتضمن هذا المفهوم أن الفقر لا يمكن معالجته بمنح الفقراء مخصصات مالية فقط، وإنما يحتاج إلى معالجة العديد من الأبعاد المختلفة بشكل متكامل ومتزامن، وهو ما يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدولية.
إلا أنه من المهم الانتباه إلى وجود علاقة وثيقة بين المرض النفسي والفقر، فالفقر يمكن أن يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية، وعلى العكس من ذلك، فالإصابة بالأمراض النفسية يمكن أن تؤدي إلى الفقر. فيما يتعلق بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية، فالفقر يؤدي إلى تعرض الأفراد للعديد من الظروف القاسية والصعبة، مثل الإجهاد النفسي وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وعدم الوصول إلى الخدمات الصحية والعلاج النفسي، والتمييز والاستبعاد الاجتماعي، وهذه العوامل يمكن أن تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر والفصام والإدمان.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الأمراض النفسية إلى الفقر، حيث من المحتمل أن تؤثر هذه الأمراض على الأداء الوظيفي والقدرة على العمل، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى فقدان الوظيفة وتدهور الحالة المادية للفرد وأسرته. كما أن العلاج النفسي والدوائي يمكن أن يكونا باهظي الثمن، خاصة إذا كان الشخص يتلقى العلاج الخاص لفترة طويلة، بالإضافة إلى أن بعض الأدوية النفسية اللازمة للعلاج يمكن أن تكون غير متاحة بتكلفة منخفضة في بعض المناطق. ومما لا شك فيه أن المريض النفسي قد يواجه صعوبة في العثور على عمل مناسب ومستقر بسبب اضطراباته النفسية وبسبب الوصمة المجتمعية، مما يؤدي إلى فقدان الدخل وتدهور الحالة الاقتصادية.
لكن ما سبق لا يعني أن المريض النفسي سيصبح بالضرورة فقيرا، حيث أن هذا يعتمد على عدة عوامل مثل نوع الاضطراب النفسي، العلاج اللازم، والدعم المتاح من العائلة والمجتمع. إن الاضطرابات النفسية يمكن أن تؤثر على الحياة الاقتصادية والمالية للمريض بشكل كبير، ولكن ليس بالضرورة أن يؤدي إلى الفقر إذا كان هناك دعم كافٍ من العائلة والمجتمع والنظام الصحي. كما علينا أن نؤكد أن ليس كل فقير هو مريض نفسي، فهناك الكثير من المعوزين الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة وحياة أسرية سعيدة وعلاقات صداقة غنية.
في فلسطين، تتوفر خدمات الصحة النفسية والأدوية النفسية بشكل مجاني في 14 محافظة في الضفة الغربية وفي ستة محافظات في غزة لمن يحتاجها. إلا أنه يجب علينا العمل معا في كافة القطاعات لمعالجة الفقر، وتوفير الخدمات الصحية والنفسية الأساسية لأكبر عدد من الأفراد المحتاجين والمساعدة في تحسين ظروفهم المعيشية والاقتصادية وذلك بمنحهم تأمين صحي مجاني وفرص عمل مناسبة، وهذا بالتوازي مع الطلب من المجتمع الدولي العمل على تحقيق العدالة والسلام للفلسطينيين.